تزوّجا بعد قصة حب استمرت أربع سنوات، طيلة مدة دراستهما الجامعية، كانت فرحتهما باللقاء تحت سقف واحد أكبر من أن توصف. ومضت الأشهر الأولى بسعادة وهناء يتخلّلها الضحك، والأحاديث المبهجة، وذكريات الدراسة، والنزهات الجميلة، وتناول الطعام في المطاعم. ولكن بعد انتهاء السنة الأولى بدأت المشكلات، وصارت الأصوات ترتفع في البيت، وحلّت الاتهامات والانتقادات المتبادلة مكان الأحاديث الجميلة، وامّحت الذكريات المشتركة، كأن الحب لم يكن يوما أساس العلاقة الجميلة بينهما.
هل يكفي الحب لبناء حياة زوجية مستقرّة؟ وماذا نعني بتلك العاطفة التي نطلق عليها اسم الحب؟
معادلة: «الحب يعني زواجاً ناجحاً»
على الرغم من أهمية الحب الكبيرة في الحياة الزوجية، فهو ليس الركن الوحيد الذي يضمن استمرار الحياة المشتركة، ونجاحها. وقد يكون الحب تلك القوة المحركة التي تبدأ بها العلاقة، ولكنه لا يكفي لمواجهة التحديات اليومية بين الزوجين. وقد ترسّخت في عقول الشباب منذ زمن بعيد مفاهيم تعطي الحب أهمية تحجب مقوّمات أخرى أساسية يبنى عليها الزواج، وهي مقومات تدعم الحب وتقوّيه، وتخلقه إن لم يكن موجوداً في الأساس. وقد زاد الحب تضخماً في أعين الشباب بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة أحوال الناس، وسيطرة الأوهام على العقول.
إذن، فمعادلة: «الحب يعني الزواج الناجح»، معادلة خطأ تسيطر فيها العاطفة على العقل، وعلى التحكم في المشاعر. فما هي الأسس التي يجب أن يبنى عليها الزواج، والتي تزيد الحب اتقاداً، أو تطلق شرارته إن لم يكن قد ولد بعد، لتشرق الأسرة بألوان الفرح، والبهجة، والاستقرار؟
التفاهم
قد يتعرّض الكثير من الأزواج في بداية حياتهم الزوجية لمشكلات قد تتطور مع الزمن، على الرغم من أنها تبدأ بسيطة، ويمكن تجنبها، إذ يجب أن يكون هناك تفاهم بين الزوجين، وقدرة على استيعاب أحدهما للآخر، وتجنب استفزازه، والتسرّع في الحكم على كلماته، وتصرفاته. ففي كثير من الأحيان يصدر عن أحد الزوجين سلوك لا يقصد به إزعاج شريكه، أو انتقاده، والزوج الذكي هو الذي يستوعب أفكار شريكه، ولا يحللها من منطلق تفكيره الخاص ومزاجه.
الاحتواء
قد يعود الرجل إلى البيت مثلاً، منزعجاً ومهموماً، في مثل هذه الحالة على الزوجة أن تحتوي زوجها، ولا تبدأ بالانتقاد، والتأفف. فكل طرف يجب أن يجد لدى الطرف الآخر ملاذاً آمناً، ووعاء يستوعب همومه، ومشكلاته، وآذاناً صاغية من دون تبرّم، أو تذمّر.
الانجذاب
انجذاب كلا الشريكين لبعضهما بعضاً أهم من الحب، فالاهتمام، والتعلق الفكري والجسدي والنفسي، يعطيان راحة وشعوراً بالاستقرار، ورغبة في مواصلة العلاقة، وشوقاً مستمراً للقاء من دون ملل، مهما طال عمر الزوج، وكثرت الأحاديث، والحوارات.
الثقة المتبادلة
يظن كثير من الأزواج أن الحب يعني تقييد الطرف الآخر، ومراقبة كل تصرفاته، ومحاولة معرفة كل أسراره، وحكاياته. يجب على الزوج أو الزوجة عدم البحث في ماضي الشريك، والتنقيب عن الهفوات والعلاقات السابقة. فمع الارتباط الجدّي، يجب فتح صفحة جديدة يشعر فيها كل طرف بالراحة والأمان ويكون فيها قادراً على حفظ الأسرار، والمخاوف. فالشعور بعدم الاطمئنان، والخوف من الملاحقة والتعقب والتهديد، يقلقان الراحة ويصيبان بالتوتر، فيهرب الحب حاملاً معه خيبة الأمل.
الانتماء
كثير من الأزواج لا يشعرون بالانتماء لحياة أزواجهم. فالمرأة مثلاً، قد تشعر بالغربة في منزل الزوجية، كأن العلاقة مؤقتة، ويمكن أن تنتهي في أيّ وقت. وهذا الشعور يجعل الحياة الزوجية غير مستقرة، فكم من الزوجات، ونخصّ الزوجات لأنهن أكثر تعرضاً لهذا الشعور، يجدن أنفسهنّ غريبات في حياة أزواجهن، وأنهنّ مستبعدات، ومنبوذات.
وفي النهاية، لا بد أن نشير إلى أن كل إنسان لديه عيوب، ومن يدعي الكمال فهو إنسان مريض نفسياً، فغضّ الطرف عن الهفوات والعيوب، أو محاولة لفت النظر إليها بلطف ومحبة، ومن دون هجوم وانتقاد، تجعل الحياة الزوجية سهلة ومستقرة. كما يجب ألا يضع أحد الطرفين شريكه تحت المجهر ليتصيد أخطاءه ويخبره بها، وهو لا يدري أن هذه التصرفات تولد الجفاء، والنفور، ولا تصحّح العيوب.