15 أبريل 2025

ما هي «الإيجابية السّامة» في العلاقة الزوجية؟ وكيف نتعامل معها؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

«الإيجابية السّامة» مفهوم يروّج للّامبالاة، حيث يجد المرء نفسه أمام مفهوم مشوّه للإيجابية، والدعوة إلى التفاؤل الدائم، وهذا الإنكار للمشاعر السّلبية، والهروب من مواجهة الواقع يؤديان إلى تجاهل المشكلات، بدلاً من حلها.

وفي العلاقات الزوجية، تؤدي هذه الظاهرة إلى توتر، حيث يرفض أحد الشريكين الاعتراف بالمشكلات، مكتفياً بإلقاء عبارات مثل «كل شيء سيكون على ما يرام»، بينما ينتظر الطرف الآخر شريكاً واعياً، يشاركه التفكير والتحليل، وإيجاد الحلول.

فكيف تؤثر تلك الإيجابية في العلاقة بين الطرفين؟ وكيف يمكن للـ«المهرّج» الذي يتخفى وراء ابتسامة أن يشعل الخلافات في منزله، وببرود تام، مع عبارة «لا تدع شيئاً يعكّر مزاجك»؟

مجلة كل الأسرة

الإيجابية السلبية وعلاماتها

في هذا الصدد، تقدم نجاح خماسمية، كاتبة ومستشارة حياة وممارس محترف في البرمجة اللغوية العصبية، تعريفاً للإيجابية السلبية، وعلاماتها، قائلة «من أجل فهم الإيجابية السامة يجب أن نحدّد ماهية الإيجابية الفعلية، أولاً. فالإنسان الإيجابي الحقيقي قد يكون حزيناً، ولكن غير يائس، يعرف كيف يختار أفكاره، وعلى أيّ أسس، ويخرج من أزمته بسرعة أكبر من غيره، وبأقل خسائر ممكنة. في المقابل، فإن الفرد الذي يتسم بـ«الإيجابية السّامة» يتبنّى نتيجة نهائية بأن يكون في كل أزمة غير مضطرب من الخارج، وفي الوقت نفسه، لا يملك الحلول، ينتقد المضطربين فقط، ولكن يفتقد أيّ استراتيجية لمواجهة المشكلة، وحلها. وبالنسبة لي، هؤلاء هم أشبه بوجه المهرج المبتسم بخطوط وألوان، ينشر البهجة الخارجية من دون إضافات عملية ذات قيمة. لا يحبون الجدّية أبداً، لأنهم لا يرغبون في البحث عن حلول، ولا أن ينضجوا. من أهم ما يميزهم هو اللامبالاة بالواقع مع غطاء من الإيجابية».

لفت نظر الإيجابي السّام إلى أمور سلبية في شخصيته بطريقة احترافية ومساعدته على تعديل سلوكه هام جداً ولكن التغيير يبقى قراره

ترصد خماسمية تأثير «الإيجابية السامة» في العلاقة الزوجية «لدى كل إنسان ثلاثة أنماط داخلية للتحليل التفاعلي مع مجريات الحياة، الأنا الطفل، الأنا البالغ، والأنا الوالدي. وفي أغلب الأحيان نجد الشخص الإيجابي السام يغلب عليه نمط الأنا الطفولية، فلا يحلل الموقف بشكل ناضج، ولا يبحث عن الحلول، يتفاعل مع كل شيء بشكل يعتمد على المشاعر فقط، بقالب من الإيجابية غير المنطقية».

وتضيف «إذا ارتبطت الشخصية الطفولية مع شخصية تغلب عليها الأنا الوالدية، لن يكون هناك أيّ مشكلة. فالشخصية ذات النمط الوالدي الغالب ستحلل الأمور، وتقرر، ولا تنتظر من شريك الحياة الطفل إلا أن يمنحها الطاقة الإيجابية من دون تدخل، أما إذا ارتبطت الشخصية الطفولية مع شخصية تغلب عليها الأنا الناضجة (البالغ)، هنا ستكون المشكلة، لأن الناضج يبحث عن شريك حياة يشاركه التحليل، والحوار، والاقتراحات المنطقية للوصول إلى حل، بينما تفضل الشخصية الطفولية حالة البهجة والهرب من الحوار، متذرعة بحجج مثل «الأمور ستحل نفسها بنفسها»، «هذا التوتر يقتل طاقتي الإيجابية»،«لا أحب النكد»، إلى عبارات تبدو للشريك الناضج مستفزة بتسخيفها، وتجاهلها للواقع».

مجلة كل الأسرة

وتأسف مستشارة الحياة لأن «مواقع التواصل الاجتماعي تعزز هذه السلوكات غير المسؤولة لدى هؤلاء الكبار الطفوليين، بأن تخبرهم أنهم يستحقون الدلال، ويجب ألا يهتموا كثيراً ويضطربوا، يكفي ترديد بعض التوكيدات، أو إخبار الكون بما يحتاجون إليه، والكون سَيُسَخِّر كل شي من أجلهم، بمعنى تشجعهم على التراخي، والكسل، والكسب السهل، وتمجد قدرتهم على نشر «الطاقة الإيجابية» بأن تعطيهم أسماء وصفات تمجيدية انتقائية، فيشعر هذا الشخص بأن وجوده في حياة الآخرين هو نعمة كافية لهم».

وعلى صعيد العلاقة بين الطرفين، تتوقف عند ملامح المشكلة التي «تكمن في أن إفساد مزاج هذا الشخص الذي قد يفسد العلاقة، وليس المواجهة بحد ذاتها، لذلك نستطيع أن نستخدم تكتيك المواجهة السليمة المتناسبة مع مزاجه، مثلاً ألا نستهجن شعوره بالطمأنينة والفرح من دون حلول حقيقية، بل أن نسأله بنفس حالته المزاجية.. ما هي الحلول في رأيك؟ ماهي اقتراحاتك؟، وغالباً لن يكون لديه أيّ اقتراح، ولكننا بهذا الشكل نستفز عقله اللاوعي بأن يبحث عن إجابات، ولكن إن استخففنا بشعوره اللا منطقي من الإيجابية، سنخرب مزاجه، وسنخسر الحوار. فإن لم يكن لديه اقتراحات عملية، ولن يكن كذلك بأحوال كثيرة، نستطيع أن نشرح له أن شخصيتنا تحتاج إلى براهين، أكثر من مشاعر اطمئنان من دون برهان، فيبدو الأمر كأنه يخصنا، وليس نقداً مباشراً له».

مجلة كل الأسرة

فما هي الاستراتيجيات العملية للتعامل مع شريك لا يعترف بالمشاعر السلبية في العلاقة، وفي الحياة؟

تشير خماسمية إلى أن «الإنسان الذي لا يعترف بوجود مشاعر سلبية، هو يفعل ذلك ربما لأنه لا يريد أن يتحمل مسؤولية أخذ إجراءات لتصحيح الموقف، أو لأنه اعتاد رمي المسؤولية على الآخرين، واستقبال النتيجة المُرضية لأفعالهم على أنها مجهود مشترك، أو لأنه لا يجيد المواجهة، فيهرب كالأطفال، أو يتجمد في مكانه بابتسامة يسميها إيجابية، ونراها في بعض الأحيان مغيظة لعدم واقعيتها، أو لأنه سابقاً عندما كان يمر بأوقات يشعر فيها بالحزن، ولم يجد احتضاناً من بيئته له، فيتبنّى هذا النوع من الإيجابية كحماية وضمان».

بعد فهم الأسباب الخفية، يكون التصرف بتعزيز نمط الشخصية الناضجة بالخطوات التالية:

  • تحميل الشخص مسؤوليات صغيرة بمشاكل بسيطة، والثناء على الخطوات العملية التي يحل بها المشكلة، وإذا فشل بها لا نهرع لمساعدته إلا إذا طلب ذلك، مع التوعية والابتعاد عن اللوم والشماتة.
  • عند استخفافه بأزمة ما، أو تعامل معها بروحه الإيجابية السامة التي لا تحمل أيّ حلول، نصرّ على أن يعطينا اقتراحات مهما كانت صغيرة، على أن يطرح كلامنا في سياق أخذ النصيحة.
  • عدم الغضب عندما يهرب من النقاش، أو المواجهة، بل نهمّشه تماماً، ونأخذ قرارات تناسبنا من دون الرجوع إليه، فيفاجأ، وعندما يعاتبنا، لا نسخر، أو ننتقم، بل نشرح له ببساطة وجدّية أن الأمور التي يهرب منها لا تحل نفسها بنفسها، وإذا كان يريد أن يكون جزءاً من الحل، يجب أن يدخل معنا في منظومة الحوار المُجدي.
  • احتواؤه عندما يظهر حزنه ويأسه في وقت ما، ليتأكد أنه ليس مضطراً لأن يمثل الإيجابية ليكون محبوباً.
  • إبداء رأينا بالإيجابية بشكل أكاديمي واضح، ويفضل أن يحدث ذلك بحضور مجموعة للنقاش، مع إعطاء أمثلة عملية عن أشخاص إيجابيين بسلوك حقيقي مُجد.