يتجاوز صمت المرأة كونه مجرّد حالة من الهدوء، أو الانسحاب، ليحمل في طيّاته مشاعر ودوافع قد لا تقال، لكنها تُفهم. ويمكن أن يكون أسلوباً للتفكير، أو رّد فعل على ألمٍ ما، أو حتى وسيلة للتعبير، عندما تعجز الكلمات. فما هي الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع المرأة إلى الصمت؟ وما هو الفرق بين الصمت العاطفي، والصمت المؤقت؟
تكشف، استشارية العلاقات الزوجية وتطوير الذات الدكتورة هنادي علي «يتطلب فهم صمت المرأة معرفة خلفية عن شخصيتها، والظروف التي تحيط بها، إضافة إلى تعاملها مع المواقف في مختلف الظروف، حيث يمكن أن يكون قراراً استراتيجياً واعياً للتفكير بعمق، أو لاستعادة السيطرة، وتجنّب التصعيد، أو ردّ فعل تلقائياً ناجماً عن صدمة نفسية، وحزن، أو غضب، أو خوف، ورغبة في الانعزال».
وتشرح كل نوع: «ينشأ صمت المرأة الناتج عن الألم بشكل غير مدروس كوسيلة للتعامل مع المشاعر الداخلية التي تؤثر فيها سلباً، فتدفعها للانعزال بسبب عدم قدرتها على التعبير عمّا تمرّ به، وعدم قدرتها على تجاوز ألمها، أو فهم ما تمرّ به، لتتمكن من تجاوز الأزمة، بينما يكون الصمت كأداة ضغط وعقاب، ووسيلة للسيطرة، أو إرسال رسائل، فيكون سبباً لإثارة الفوضى يدفع الطرف الآخر نحو سلوك معيّن، وإثارة مشاعره، وإشعاره بالذنب».
يُعد صمت المرأة مؤشراً على نهاية الحب، بشكل خاص، إذا ما أصبح نمطاً مستمراً، حيث يعكس غياب الرغبة في التواصل، عندما يتوقف أحد الطرفين عن محاولة الحوار، أو التعبير عن مشاعره، أو عدم الاهتمام بإيجاد حلول، أو نقاش حول المشكلات العالقة. كما أن شعور اللامبالاة بالطرف الآخر، وغياب أو برودة ردّ الفعل على ما يحدث مع الشريك من علامات نهاية الحب، إضافة إلى استخدام الحب كحاجز، يعكس الرغبة في الابتعاد، أو الانفصال، وتكون النهاية قريبة، وموشكة، وأن الشعور بالعبء في العلاقة يكون ناتجاً يعبّر عن شعور أحد الطرفين بأن العلاقة أصبحت عبئاً، أكثر منها مصدراً للسعادة».
لكن، كيف يمكن التمييز بين الصمت المؤقت، والصمت الذي يدلّ على نهاية الحب؟ تقول د. هنادي «الصمت المؤقت غالباً ما يكون نتيجة لمواقف معيّنة، كالغضب أو الحزن، لكنه لا يلبث أن يتلاشى، ويختفي، بخاصة عندما توجد رغبة صادقة في الإصلاح، وإعادة التواصل، بينما يكون الصمت المستمر، غير المبرر، مؤشراً على نهاية الحب، لأنه يعبّر عن حالة الانفصال، النفسي والعاطفي، وغالباً ما يكون خالياً من أيّ نية لإعادة بناء العلاقة، ومن أبرز الإشارات التي تدل على نهاية الحب، أن الصمت لم يعد يزعج الطرف الآخر، أو يثير فيه أي قلق، ما يشير إلى أن العلاقة قد فقدت معناها، وقدرتها على الاستمرار».
وتؤكد مستشارة العلاقات الزوجية «تلعب التنشئة والبيئة الاجتماعية المحيطة بالمرأة دوراً محورياً في تشكيل استجابتها للصمت، أو المواجهة، فالقيم والمعتقدات التي تزرع في الفتاة منذ طفولتها تترك أثراً عميقاً في طريقة تعاملها مع الصراعات، والمواقف الصعبة. ففي بعض المجتمعات، تُربّى البنت على أن الصمت والحياء من الصفات المثالية، والمواجهة سلوك عدواني غير لائق، كما تعزز الأدوار الجندرية التقليدية فكرة أن المرأة يجب أن تكون أكثر هدوءاً، وأقلّ تعبيراً عن الغضب، على عكس الرجل الذي يشجع على المواجهة، والدفاع عن نفسه».
وتشير إلى أن البيئة الأسرية «تلعب دوراً كبيراً في اتخاذ المرأة قرار الصمت، فحين تثني الأسرة على الصمت، وتعاقب على التعبير، تميل الفتاة إلى تجنب المواجهة خوفاً من الانتقاد، أو الرفض. كما تلعب النماذج النسائية التي تحيط بالفتاة في طفولتها دوراً كبيراً في تشكيل وعيها، فإذا كانت الأم، أو الأخت الكبرى، تلجآن إلى قرار الصمت، نجد أن هذا السلوك يكون أمراً طبيعياً. في الجانب الآخر، تساعد التنشئة الداعمة، التي تشجع على التعبير، وتعلّم مهارات التواصل وحلّ النزاعات، على تهيئة الفتاة في الصغر لأن تكون أكثر استعداداً للتعبير والمواجهة في الكبر».
توضح د.هنادي أن اختيار المرأة بين الكلام والصمت يجب أن يكون مبنياً على وعي بالسياق، والنتائج المترتبة، فالحكمة تكمن في معرفة متى يكون للكلمة وزن، ومتى يكون للصمت أثر أعمق «على المرأة أن تتكلم:
في المقابل، يجب أن تصمت المرأة حين:
وتضيف «يمنح الصمت المرأة أحياناً مساحة للتأمل، وإعادة التقييم، سواء لها، أو للطرف الآخر. لذلك على المرأة أن توازن بين الكلمة والصمت، فتتكلم عندما تجد أن كلماتها يمكن أن تصنع فرقاً، وتصمت عندما يكون الأثر الأعمق في التروّي، فالصمت أحياناً يكون أقوى من أيّ كلمة تقال».