مصممة أزياء وصلت للعالمية.. امتياز أبو عواد: أوصل الثوب والتطريز الفلسطيني لكل العالم
داخل بيتها المتواضع في قرية صغيرة شمال رام الله، بالضفة الغربية، تعمل مصممة الأزياء الفلسطينية الشابة امتياز أبو عواد، مع 50 امرأة أخرى، من مختلف أرجاء فلسطين، على تطريز أزياء فلسطينية عصرية، وتصديرها إلى العالم.
تسعى امتياز، اللاجئة القادمة من جنوب فلسطين، إلى خلق فُرص عمل للنساء الأقل دخلاً، من القادرات على العمل في مجال التطريز، عبر مشروعها الذي تحوّل من حلم إلى مشغل يقدم التراث الفلسطيني للعالم.
وتعمل امتياز أيضاً مشرفة أزياء في الإدارة العامة للتدريب المهني، في وزارة العمل بالسلطة الفلسطينية، وتعمل على تدريب النساء على التطريز والخياطة، إضافة لإدارتها لمركزها الخاص بتصميم الأزياء.
بداية الحلم.. تصميم ألعاب الأطفال
تتحدث امتياز عن علاقتها مع عالم التطريز والتراث وبدايتها، فتقول «حلمت منذ طفولتي بأن أصبح مصممة أزياء عالمية، وكنت دائماً أعمل تصاميم من ألعاب الأطفال خاصّتي، وكان دوري في اللعب الجماعي مع صديقات الطفولة هو مصممة أزياء، وكان لدى والدتي ماكينة تطريز قديمة، كنت أحلم بالعمل عليها، لكنها كانت ترفض دائماً كي لا أعطبها».
وتضيف «في الصف السابع، عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، أتقنت التطريز تماماً، وبدأت بتعلم النسيج، ولكن ليس بالصنارة الخاصة بالنسيج، لغلاء ثمنها، بل أحضرت ريشة طير وحاولت النسيج من خلالها، ونجحت في ذلك».
وتتابع قائلة «عندما دخلت للكلية بعد إنهاء التعليم المدرسي، ذهبت فوراً إلى حلمي فاخترت دراسة تصميم الأزياء، بالتزامن مع عملي في مشغل خياطة بأجر بسيط جداً، لا يتجاوز 150 دولاراً، وكنت أقوم بتوفير المال من أجل فتح مركز خاص بي في مجال تصميم الأزياء».
وتشير امتياز إلى أنها، ومع تخرجها في الكلية الجامعية، بدأت بتنفيذ فكرة مشروعها فوراً، القائمة على إدخال التطريز الفلسطيني على اللبس اليومي للفتيات، ليصبح لبساً متداولاً، وليس في المناسبات فقط، فالثوب الفلسطيني التقليدي يلبس في المناسبات الشخصية والوطنية عادة.
حققت حلمي، وإلى جانب الأزياء العصرية سنحافظ على ثوبنا الفلسطيني التقليدي
وأنتجت امتياز أول فستان سهرة من أعمالها، وكانت تنتظر رأي الجمهور فيه، وتكشف «هنا كانت المفاجأة، حيث أعجب الجميع به، وبدأت على الفور بإنتاج الكثير في مجال اللباس اليومي للشابات الفلسطينيات، وحققت حلمي بأن يصبح التطريز مختلفاً عن التراث، وإلى جانب الأزياء العصرية سنحافظ على ثوبنا الفلسطيني التقليدي».
جائزة الإبداع والتميّز.. بداية الانطلاق خارج فلسطين
كان حصول امتياز على أول جائزة عن عملها، وهي (جائزة الإبداع والتميز من وزارة الاقتصاد في السلطة الفلسطينية في عام 2009)، بداية الانطلاق إلى خارج فلسطين، حيث فاز مشروعها للتطريز على الأزياء اليومية كأفضل مشروع ريادي في فلسطين، من بين 150 مشروعاً، نافست للحصول على الجائزة.
ثم أقامت امتياز أول معرض لها، بالتعاون مع وزارة الرياضة والشباب المصرية، وتقول عنه «كانت نتائجه مبهرة للجمهور، وبعدها ذهبت إلى تركيا، وكانت نتائجه ممتازة، وتمثلت في الحصول على طلبات لشراء تصاميمي الفلسطينية».
وحصلت امتياز على عرض للسفر إلى خارج فلسطين، وتحديداً لجمهورية الهند، للمشاركة في عرض أزياء عالمي، وتقديم أعمالها للعالم، ورغم التحدي الكبير في الحصول على موافقة العائلة في البداية، إلا أن عائلتها دعمتها بالسفر إلى الهند لعرض أعمالها التي نالت إعجاباً كبيراً، وكانت مشاركة ناجحة قادتها إلى مشاركات أخرى.
كما شاركت امتياز بعروض أزياء في مصر والأردن والمغرب وتركيا وتونس، وهنا تبيّن «كل مرة كنت أسافر فيها وأعرض أزياء وأثواباً فلسطينية، أشاهد حب الجمهور، ودهشته بالزي الفلسطيني. وبعد ذلك وسّعت عملي، وزدت عدد النساء العاملات في معملي، ووفرت عملاً لسيدات من غزة، والخليل، ورام الله، وجنين، وأتمنى أن يتوسع على مستوى فلسطين كلها».
امتياز أبو عواد.. إلى العالمية
وانطلقت امتياز بعد ذلك بأفكار جديدة تقوم على دمج التراث الفلسطيني مع التراث العربي لدول عدة، وتشير امتياز إلى أنها عملت على دمج التراث الفلسطيني الكنعاني، بالزي الفرعوني، وتوضح «أعجب المصممون، والشعب المصري، كثيراً بالفكرة في مصر».
وكذلك دمجت امتياز الزي الخليجي بالتراث الفلسطيني «قمت بخلق تطريز فلسطيني على عباءات في كل من دبي وأبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك عملت على خلق شراكة بين الأزياء الفلسطينية وتراث دولة الكويت الشقيقة».
وتحدثت امتياز عن عرض أزياء لها في مدينة أسفِي بالمملكة المغربية، إذ عرضت تراثاً فلسطينياً أصيلًا، وأزياء عصرية، دمجت فيها الفستان المغربي بالتراث الفلسطيني، فحصلت على جائزة عن هذا العمل، واختتم العرض بتأسيس منتدى للتراث العربي والعالمي.
وبعد ذلك عرضت امتياز أعمالها في دار الأزياء العراقية، بالعاصمة بغداد، خلال العام الجاري 2023، وهي من أشهر دور الأزياء على مستوى الوطن العربي، وليس العراق فقط، وتقول «أحضرت معي من فلسطين قطعاً قريبة من التطريز الآشوري والسومري، للتأكيد على التقارب في مجال التطريز بين البلدين، الذي انتقل من فلسطين، وتحديداً من مدينة حيفا وعسقلان، إلى العالم عبر طريق الحرير، حيث تعلّم التجار صناعة النسيج والتطريز من فلسطين، ونقلوها إلى بلادهم. وبعدها توسعت أكثر إلى ألمانيا، وبريطانيا، وروسيا، وفي معظم دول العالم عملت عروض أزياء تراثية وعروض أزياء خاصة بالموضة».
والفرحة التي تلتها تمثلت بحصول امتياز على جوائز عدة، من مهرجان بروكسل للفن، ومهرجانَي الإسماعيلية والقاهرة، ومهرجان رواد الفن العراقي، ووصلت امتياز للمرتبة النهائية في مسابقات أفضل المصممين العرب، على مستوى العالم للمبدعين العرب، والتي أقيمت في العاصمة البريطانية لندن، والتي تسمى جائزة «أوسكار المبدعين العرب».
دار أزياء تنقل التراث الفلسطيني إلى العالمية
وتعبّر امتياز عن طموحها غلى امتلاك دار أزياء فلسطينية عالمية، توصل التراث الفلسطيني إلى كل أصقاع العالم.
وتؤكد «إن الأثواب ليست أزياء تُلبس فقط، بل عبْرها، وبنقوشها، وبكل حياكة فيها، يجري توثيق واقع النساء الفلسطينيات، وحياتهن الاجتماعية، فأنا أعمل على إحياء الأثواب التي اندثرت، مثل ثوب طبريا، وثوب بيسان الذي يجري تطريزه بإبرتين، لأنهما امتداد لقبيلة عرب الهيب، وكذلك ثوب طيرة حيفا، وهو من أوائل الأثواب التي طُرّزت في فلسطين، والوطن العربي، ويحاكي حياة الفلسطينيات في تلك الحقبة».
وتختم امتياز حديثها بالقول «بحجم التحديات وُلد لديّ حلم بأن أصبح مصممة أزياء بمستوى عالمي، وأن أتصدى لكل محاولات السرقة والسطو على الهوية الفلسطينية، وأريد أن أوصل الثوب الفلسطيني والتطريز الفلسطيني لكل العالم، ليعرف أن هذا ثوب فلسطيني، فعلينا حماية هويتنا المهددة بالاندثار جراء الاحتلال وغزو الآلات الحديثة، وما يسمى تطريز الحاسوب».
* رام الله: بلال غيث كسواني