08 يناير 2025

الشيف لينا سعد: أحمل راية المطبخ اللبناني التراثي بنكهاته الأصيلة وذكريات الطفولة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

لا تألو الشيف اللبنانية لينا سعد جهداً في حمل راية التراث اللبناني، ونشره، سواء عبر كتبها التي حازت جوائز عالمية، أو عبر عملها طاهية منحازة إلى المطبخ اللبناني، لدرجة أنها تجمع ذكريات طفولتها من عبق الريحان، ورائحة الزعتر والزيتون في أطباقها..

معها حوار يرصد بعضاً من شغفها، وتماسّها مع المطابخ الأخرى، ونظرتها إلى «الحداثة» في الأطباق، ورصد فلسفتها الخاصة في هذا الجانب:

الشيف لينا سعد
الشيف لينا سعد

لماذا التركيز على المطبخ اللبناني، وما الذي يميّزه؟

المطبخ اللبناني يتمتع بنفحة خاصة، ليست موجودة في المطابخ الشرق أوسطية الأخرى. بالنسبة لي، أقول وأكرّر، أن المطبخ اللبناني هو جوهرة المطابخ الشرق أوسطية، ولا يلومني أحد إن بدوت منحازة إلى هذا الرأي، لكون المطبخ اللبناني جمّل معظم الأطباق، وأضاف إليها ذوقاً رفيعاً نقله من بلده إلى العالم.

في المطبخ اللبناني، لا نستخدم الكثير من التوابل، ولا نلجأ إلى مزجها بكثرة، ولا إلى استعمال التوابل القوية. توابلنا دائماً خفيفة، وحتى طريقة استخدامها هادئة...

هذا الأسلوب يعبّر عن التوازن الموجود في الطبق، كما يعكس توازن ربّة المنزل اللبنانية عند تقديم الطعام، وهذا التوازن يظهر في أطباق مثل «البطاطا الحرة»، حيث مكوّنات بسيطة مثل الكزبرة، والثوم، وقليل من الشطة، تكمّل طعم البطاطا من دون أن تطغى على نكهتها الأساسية. فالتوازن والبساطة هما جوهر المطبخ اللبناني، حيث يُترك المجال للمكونات الأساسية لتبرز بنكهتها الطبيعية، من دون طغيان من التوابل، بما يضمن وصول الطبق برسالته الحقيقية، ونكهته المتكاملة. هذا البعد يعكس هوية المطبخ اللبناني الذي أجد أنه، رغم تأثره بثقافات أخرى، استطاع أن يشكل هوية خاصة به، ولكن هذا لا يمنع أن أخوض تجارب طهي للمطابخ الأخرى التي أحبّذ الكثير من أطباقها.

ما المطابخ التي تستهويك؟

بالطبع، يحتل المطبخ اللبناني المرتبة الأولى في حياتي، وأشعر بالسعادة الغامرة وأنا أعدّ الأطباق اللبنانية، إلا أن هذا لا يمنعني من الإطلالة على مطابخ أخرى عالمية، حيث أفضّل المطبخَين، الصيني والهندي، لكني أتجنب الإفراط في استخدام التوابل، ما قد يخل بالنكهات، كما أن المطبخَين، الإسباني والإيطالي، من خياراتي المفضلة. حبي للطهي لا يقتصر على مطبخ معين، بل يشمل تجربة أطباق من مختلف أنحاء العالم، لكون التنوّع في النكهات يُثري خبرتي، ويُحفّز إبداعي في المطبخ. بالفعل، المطبخ اللبناني هو الأساس، لكني أستمتع جداً بالطهي العالمي، والإبداع بأطباق جديدة.

مجلة كل الأسرة

ماذا عن نكهات الطفولة؟ وكيف تعيدين إحياءها في أطباقك؟

عندما أعود بذاكرتي إلى أيام الطفولة، أتذكّر تلك اللحظات البسيطة التي كانت تشكل عالماً من السعادة. كنت أعود من المدرسة متعبة، أفتح «النملية» في مطبخ أمي، وأجد طبق «الشيش برك» في انتظاري. لا أعتقد أن هناك ما يضاهي طعم تلك اللقيمات الغارقة في اللبن الطازج. اليوم، أشعر بأن بعض الطهاة يتجاوزون الحدّ في محاولاتهم «تطوير» الوصفات التقليدية. مثلاً، «الشيش برك» الذي أعتبره رمزاً للمطبخ الشرقي، أراه يُشوى في الفرن، أو يُغرق في الزبدة، والزيت الحار، كأن الطبق بحاجة إلى تحويل جذري! بالنسبة لي «الشيش برك» هو طبق وُجد ليُطهى باللبن الطبيعي فقط. هذا هو السحر الحقيقي الذي يعكس روحه، حتى أطباق أخرى، كالكبة اللبنية أو الحمص، لم تسلم من التجارب الغريبة.

أذكر مرة أنني تذوّقت طبق حمص ممزوجاً بالشمندر، ولم أفهم الفكرة. لماذا لا نحافظ على البساطة؟ يمكننا تقديم الشمندر بلمسات طحينة، وحامض، من دون تشويه هوية الحمص الأصلية. رسالتي واضحة: الطهي ليس مجرد تقديم طبق جديد، أو إضافة لمسات غريبة، إنه قصة نرويها من خلال المكوّنات، وتاريخ نحترمه، ونحافظ عليه، والنكهات الأصيلة ليست مجرّد طعام؛ إنها ذكريات لا يمكن تعويضها، وأرفض رفضاً تاماً العبث بالوصفات التقليدية.

برأيك، ما السبب وراء هذه الفوضى؟

نفتقد ثقافة الأكل، وبالتالي فإن العودة للأصالة ضرورة. نحن نفتقد فهم الطعم، تناغم النكهات، والقدرة على تقدير التفاصيل التي تجعل أيّ طبق تجربة مميّزة. للأسف، أصبحنا أمام ازدواجية في النكهات، والطعمات، كأن كل شيء يمكن أن يُخلط مع كل شيء، من دون الالتزام بأي قواعد أو ضوابط. هناك أشياء ببساطة لا تتناسب مع بعضها بعضاً. ومع ذلك، نرى البعض يحاولون تجاوز هذه الحقيقة، بخاصة في لبنان، حيث نشهد أحياناً محاولات غريبة تفتقر إلى المنطق. مثلاً، ترى أحدهم يتباهى بتحضير طبق بسيط كـ«اللبنة والزعتر»، كأنه اخترع شيئاً جديداً.

نعم، اللبنة والزعتر نكتهما رائعة، وهما جزء من تراثنا، لكن أين الابتكار الحقيقي؟ الأكل ليس مجرد خلط مكونات، أو تجربة نكهات عشوائية. إنه علم، وفن، وفيه صدق. الثقافة الغذائية تُكتسب بالتعلم، بالممارسة، وبالعودة إلى الجذور. ما نحتاج إليه اليوم هو تعليم الناس هذه الثقافة: أن يفهموا ماذا يعني الطعم الحقيقي، أن يدركوا أن الأصالة لا تحتاج إلى إضافات مبالغ فيها، أو محاولات للتفلسف. رسالتي لكل من يدخل عالم الطهي: كن صادقاً مع مكوّناتك، افهم طعمها، واحترم هويتها. فالأكل تجربة إنسانية عميقة، وليست مجرد «مسخرة»، أو محاولات فارغة لإثارة الإعجاب.

مجلة كل الأسرة

كتبك تجسد التراث بشكل لافت.. ماذا عن كتاب «تراث لبنان»؟

«تراث لبنان» كتاب يحوي أكثر من 140 وصفة لبنانية الأصل، استغرقت في كتابته 8 سنوات، حيث سافرت إلى لبنان، وتواصلت مع بعض الفلاحين في القرى، وتعرفت إلى زراعة التبغ، وكيفية إعداد «المونة اللبنانية»، والتسليق التي هي عادة من عادات أهل القرى. تراث لبنان هو قصة امتداد وصمود أهل لبنان، وتحديداً أهل القرى، وتعلقهم بالأرض، وكيفية التكيّف مع عطائها. فكان لابد من التماس مع الأرض والطبيعة، ومع مشاهد إعداد المؤونة السنوية العابقة برائحة الزعتر، والسماق، وطعم «الشنكليش»، والزيتون، وزيت الزيتون.

وصفات ذات صلة:

الفخذ والأرز و5 بهارات ...من الشيف لينا سعد
السلموكادو (كيك السلمون والأفوكادو)...من الشيف لينا سعد
كعكة العيد السويدية...من الشيف لينا سعد
شراب الليمون والفراولة... من الشيف لينا سعد
ريش بالفستق الحار...من الشيف لينا سعد