05 مارس 2025

الشيف محمد بولوت: أطباقي الرمضانية مستوحاة من المطبخين الأناضولي والمتوسطي

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تبدأ الحكاية من صبي صغير يقطف المشمش كل صيف، ويتناول قطعة من كعكة المشمش التي تعدّها جدّته. كان المشمش حلو المذاق، ومتوهج اللون تحت شمس بحر إيجة، بينما كان جدّه مربّي النحل يعتني بتجارة العائلة في مجال الفاكهة، والعسل، لينمو الجيل الثالث من العائلة جنباً إلى جنب، مع هذا الإرث الذي يحمله مالك مطعم «أبريكوت»، في داون تاون -دبي، يجسده الشيف محمد علي بولوت، رئيس الطهاة في مطعم «أبريكوت»، من خلال نكهات تزاوج بين الأصالة والحداثة، ليعكس بالتالي الإرث المتأصل لذلك الصبي الصغير، وذكريات قطافه حبّات المشمش.

يتماهى عمل الشيف بولوت مع هذا الإرث لكونه متمسكاً بالجذور، وبمذاقات مطبخه التركي، وإن أضاف بعض لمسات معاصرة.

وفي حواره مع «كل الأسرة»، يتوقف عند تأثره بنكهات والدته، وعشقه للمطبخ التركي، كما يحدثنا عن نكهات رمضان، وما تعمر به المائدة الرمضانية من أطباق تقليدية تتناسب وأجواء الشهر الفضيل، ومنها أطباق أناضولية، وأطباق أخرى مستوحاة من منطقة البحر الأبيض المتوسط:

مجلة كل الأسرة

ماذا تحدثنا عن رحلتك في عالم الطهو؟

رحلتي بدأت من الشغف بإعداد الطعام، والاستمتاع بتذوقه أيضاً (يضحك)، كما أن والدتي كانت مصدر إلهامي الأول إذ استلهمت حب الطهو منها، لكونها تتميّز بمهارات فائقة في إعداد الأطباق، وذات خبرة واسعة.

عملت في مطاعم عدّة قبل قدومي إلى دبي، في عام 2021، حيث تفتحت أمامي آفاق تعلم تقنيات وأساليب جديدة في الطهي، والتعرف إلى مذاقات مختلفة، نظراً لوجود جنسيات متعدّدة. يتسم مطعم «أبريكوت» بكونه مطعماً أوروبياً بامتياز، ولكنه يستقي الكثير من النكهات العربية. في هذا المطعم، خضت تجربة مميّزة في عالم الطهي، مستكشفاً نكهات وثقافات جديدة، ولكل محطة في رحلتي أثرها الخاص في صقل مهاراتي، ورغم خبرتي، لا يزال الطهي بالنسبة لي شغفا أعيشه يومياً.

ما الذي يميز المطبخ التركي، وأي المطابخ تفضل؟

أعتقد أن المطبخ التركي يتميز بالنكهات الجيدة، والتوابل، كما نحب الشواء على الفحم، و الطهي على الفحم. وبالمجمل، المطبخ التركي يتعلق بالنكهات، ويقدم مزيجاً واسعاً من الأطعمة، ويتسم بتنوّع كبير، من المشاوي (الكباب)، والمخبوزات، إلى الأطباق النباتية، والحلويات الشهيرة.

بالنسبة لي، يبقى المطبخ التركي في المقدمة؛ فهو يحمل سحر النكهات الفريدة، والتقنيات المتميزة التي جعلت منه مصدر إلهام دائم. ومع ذلك، لا يمكنني تجاهل سحر المطبخ الإيطالي، بخاصة عندما يتعلق الأمر بالبيتزا؛ إذ إن البيتزا ليست مجرّد طبق، بل هي رمز عالمي يجسد عشق الشعوب للطعام، والتبادل الثقافي، وأستطيع القول إنني أستمد الإبداع من المطبخ التركي الذي يزاوج بين الأصالة والحداثة، ويعبّر عن شغفنا المشترك للطعام الذي يجمعنا على اختلاف الثقافات، والتجارب.

مجلة كل الأسرة

وماذا عن تماسّك مع شهر رمضان المبارك وما هي أطباقك الخاصة في هذا الشهر؟

في رمضان، المطبخ يصبح أكثر من مجرّد مكان للطهي، إنه مساحة تجمع العائلة والأصدقاء حول مائدة دافئة، تعكس روح الشهر الفضيل، لهذا، أحرص على تصميم قائمة إفطار تجمع بين النكهات الأصيلة، والتقاليد العريقة. أبدأها بتشكيلة من المقبلات التقليدية، مثل الحمص، والمتبّل، وسلطة الفتوش، يليها الحساء التركي الغني بالنكهة. أما الأطباق الرئيسية، فاخترت لحم الضأن الطري، المطهو ببطء مع «إتش بيلاف»، أو الأرز التركي المرصّع، وهو طبق أرز معطّر، ومزيّن بحبوب الرمان، والمكسرات، والفواكه المجففة، وتعتبر مزيجاً مثالياً من النكهات المالحة والحلوة، وطاجن الدجاج المخبوز مع الشعير، إلى جانب أطباق مستوحاة من المطبخ الأناضولي والمتوسطي، في ظل أجواء رمضانية استثنائية.

مجلة كل الأسرة

أيّ الأطباق أقرب إليك؟

كل الأطباق التي أعدّها هي بمثابة «أطفالي». فأنا أعدّ أطباقاً متنوعة، وبنكهات مختلفة، لكل طبق عالمه، ومزاجه، وخصائصه، ولكن كل تلك الأطباق تلتقي عند نقطة الشغف والإبداع، حيث أوجه كل طاقتي لابتكر مذاقات تحافظ على تقليديتها، مع لمسة غير مرئية من الحداثة.

هل يمكن تزويدنا بوصفة يمكن أن تعدّها ربة المنزل بسهولة؟

نعم. هناك وصفة الكارنيارك التركي، وهي وصفة جد سهلة، ولا تتطلب الكثير من ربة المنزل، بمكونات متوافرة، وهي عبارة عن باذنجان يتم قليه أولاً، ويضاف فوقه اللحم، مع صوص البندورة، ونتناوله مع الزبادي. ولدينا الكثير من الأطباق التي يستخدم فيها الزبادي. وهناك أيضاً طبق البيلاف بالأرز على الطريقة التركية، وهو يُعد وجبة سهلة وسريعة الإعداد، تتكون من الأرز، والخضار، واللحم، وتكون مناسبة لتقديمها في المناسبات الخاصة، والأعياد.

مجلة كل الأسرة

هل الإيقاع المتسارع للعمل يفقدك بعض الشغف؟

في بعض الأحيان، يكون جدولنا مزدحماً إلى حدّ كبير، فنجد أنفسنا نعمل لساعات طويلة، ومتواصلة من دون توقف. ومع مرور الوقت، يزداد الأسبوع ازدحاماً، أكثر فأكثر، ويكون مملوءاً بالعمل والتحدّيات، لكنه في الوقت ذاته يحمل معه الكثير من الشغف والإبداع في عالم الطهي.

ماذا عن بعض المكونات التي تستخدمها من المطبخ العربي؟

بخصوص المكونات التي نستخدمها، نحرص على اختيار التوابل والبهارات التي تعكس أصالة المطبخ العربي. من بين هذه المكونات، يأتي الزعفران، وهو عنصر أساسي في العديد من الأطباق التقليدية. لدينا زيت الزيتون الفلسطيني نستخدمه في بعض الوصفات، ونحرص دائماً على تنويع مصادرنا. نستلهم من تلك المكونات والتقاليد المختلفة لنبتكر أطباقاً تحمل بصمتنا الخاصة. ومن اللافت أن المطبخ الذي نقدمه يحظى بتقدير واسع، بخاصة من الزبائن من جنسيات مختلفة، حيث يجدون فيه نكهات مألوفة، تذكّرهم ببلدانهم. ويرجع ذلك إلى التشابه الكبير بين مطابخ الشرق الأوسط، والمطبخ التركي، حيث تتقاطع العديد من الوصفات والعادات، بخاصة في رمضان.

وأنا أركز دوماً على تعزيز المزيج في المطبخ، سواء من حيث المكونات، أو الأساليب المستخدمة، ما يضفي طابعاً فريداً على أطباقنا. وعندما يأتي شهر رمضان، يصبح للمطبخ طابعه الخاص والمميّز، لكون الطهو وسيلة لربط الثقافات، وإحياء التقاليد المشتركة.

مجلة كل الأسرة

وكيف تزاوج بين النكهات التقليدية والمعاصرة؟

أؤمن أن المطبخ هو ملتقى للتجارب والابتكار بعيدا عن كونه فقط مكانا للطعام. فمنذ أن بدأت رحلتي في عالم الطهي، سعيت لأن أجمع بين تجاربي و تجارب الآخرين، لابتكار وصفات تعكس تراثاً غنياً وتمتزج فيه نفحات الماضي مع روح الحاضر. ولطالما خطرت لي تساؤلات مثل: «كيف نصنع طعامنا؟» أي طبق يعبر عن شغفي؟ هل هو الطبق العربي الذي يحتضن دفء التوابل وعبق التاريخ؟ أم الطبق التركي الذي يروي قصة أصالة وابتكار؟ أم ربما الأوروبي الذي يتجسد في تنوعه وشهرته عالمياً. كل تلك الأسئلة تقودني إلى خوض تجربة مزاوجة بين التقليدي والمعاصر ولكن بطريقة لا تؤثر على النكهات التقليدية للطبق.

* تصوير: السيد رمضان ومن المصدر

وصفات ذات صلة:
- لحم الضأن مع الأرز التركي بالرمان.. من الشيف محمد بولوت
- مانتي كابادوكيا.. من الشيف محمد بولوت
- حلوى الفستق الصيفية.. من الشيف محمد بولوت