يسمونها في أوساط الموضة الباريسية «أم شانيل»، والحقيقة أنه لم تكن للسيدة إليان هيلبرون ابنة تدعى شانيل، لكنها ربة العائلة التي تمتلك دار الأزياء الشهيرة «شانيل» في باريس. وخارج دوائر صناعة الثياب الراقية لم تكن مدام هيلبرون معروفة لعموم الناس. وقد اكتشفها الفرنسيون بعد نشر خبر وفاتها، قبل أيام، عن 99 عاماً. وتصادف أنها فارقت الحياة في يوم أحد، مثل جابرييل شانيل مؤسسة الدار والشهيرة بمدام كوكو.
كانت السيدة الأنيقة صديقة لكبار أساطير الموضة في باريس والعالم. وقد بقيت أنيقة حتى النفس الأخير. ولدى إعلان خبر وفاتها توشح متجر «شانيل» في جادة «مونتين» بالحزن حداداً عليها. إنها والدة رجلي الأعمال ألان وجيرار فيرتيمر، المالكين الحاليين للدار العريقة. وجاء في بيان النعي الذي نشرته الإدارة: «بكثير من الحزن تعلن شانيل رحيل مدام هيلبرون. وستقام الجنازة في نطاق حميم لا يتعدى العائلة».
محامية في أمريكا
ولدت إليان عام 1925 لأم تدعى دنيز ولأب يدعى لوي ريمون فيشر. وكان أبوها مهندساً معمارياً ومن أعضاء المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي لفرنسا في الحرب العالمية الثانية. أما علاقتها بدار «شانيل» فقد بدأت في عام 1947 عندما اقترنت بزوجها جاك، نجل بيير فيرتيمر الذي كان يملك مع شقيقه بول شركة «شانيل» للعطور. وبعد ذلك، أي في عام 1954، صارا مالكين للدار كلها، أي فرع العطور وفرع الثياب، ثم تطلق الزوجان، لتتزوج إليان من رجل ثانٍ هو المحامي ديدييه هيلبرون. وبعد الزواج سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتواصل دراسة الحقوق وتصبح محامية مثل زوجها، متخصصة في قوانين العقود التجارية وحقوق المؤلفين.
ليس من المألوف أن تجمع سيدة من الأوساط الثرية بين حضورها كسيدة مجتمع وبين ممارستها لمهنة تتطلب تفرغاً. لكنها نجحت في جمع التفاحتين بيد واحدة. وفي عام 1978 أسست مع شريكيها جيفري هيرتزفيلد وكارل سالناس مكتباً للمحاماة في باريس يحمل أسماء ثلاثتهم، وكان ابنها ألان مستشاراً لها. ورغم اهتمامها بشؤون مكتب المحاماة فإنها كانت صديقة لكبار المصممين، ومن أبرز أصدقائها كارل لاجرفيلد الذي كان مديراً فنياً لدار «شانيل» على مدى سنوات طوال. وقد جمع بينهما حب الثقافة وأيضاً تبادل أخبار النميمة حول مجتمع باريس المخملي الذي لا يخلو من دسائس وفضائح.
سنوات الإبداع مع لاجرفيلد
في عام 1982 كانت إليان هي المحامية التي كتبت عقد العمل الذي أصبح لاجرفيلد بموجبه مديراً فنياً لأشهر دار للأزياء في العالم. ويذكر المقربون أنها قالت للمصمم يومذاك: «افعل كل ما يحلو لك من تصاميم. فإذا لم تحقق النجاح فإنني سأبيع». وأجاب لاجرفيلد: «اكتبي في العقد: افعل كل ما يحلو لك». وكانت كلمات يساوي وزنها ذهباً؛ لأن الدار عرفت سنوات عزها تحت إدارة المصمم الألماني وتحولت إلى فنار مضيء في صناعة الموضة الراقية، تدور في فلكها أرقام بالمليارات وتقصدها الملكات والأميرات ونجمات السينما وقرينات كبار أثرياء العالم.
كانت بصمة لاجرفيلد تتلخص في تحديث خطوط أزياء «شانيل» وبدلاتها ومجوهراتها والمضي بها نحو مستقبل طافح بالإبداع. لقد نجح في أن يعيد للدار ذلك الألق الذي كان قد خبا بعد رحيل مؤسستها مدام كوكو. ومن الناحية الاقتصادية، فإن مبيعات الدار تجاوزت في عام 2018 مبلغ 11 مليار دولار. وبفضل نجاحها في مجالي الموضة والقانون فإن إليان هيلبرون كانت تدعى مع كارل لاجرفيلد لإلقاء محاضرات في أكبر معاهد العلوم الإدارية والاقتصادية، ومنها الندوة التي أقيمت لهما في معهد باريس العريق للعلوم السياسية في خريف 2013.
كوكو في آخر أيامها
غني عن القول أن مدام هيلبرون كانت ترتدي باستمرار ثياباً تحمل توقيع «شانيل». لقد كانت واحدة من الأنيقات اللواتي يشكلن دعامة من دعامات الدعاية والترويج للدار. كل ذلك دون أن تتخلى عن نشاطها المالي. ففي الصيف الماضي أصبح ولداها شريكين مع عائلة بيتنكور، مالكة شركات «لوريال»، في رأسمال مؤسسة «ذا رو»، وهي الشركة الأمريكية الناجحة في مجال الثياب الجاهزة الراقية والتي أسستها الأختان أولسن عام 2006.
قد تبدو هذه الأسماء غير ذات أهمية للمواطن العادي، لكنها واحدة من الأعصاب التي تدير اقتصاد العالم، والأهم من ذلك أنها ترسم المظهر الخارجي لنساء العالم جيلاً بعد جيل. فقد لا تتاح لسيدة من الطبقة المتوسطة أو العاملة اقتناء قطعة من أزياء «شانيل»، لكن هناك دائماً خياطات بارعات في تقديم ثياب تشبهها وبسعر معقول. وللعلم فإن حقائب «شانيل» هي الأكثر تقليداً في العالم؛ إذ يعكف على صناعتها ملايين العمال في دول آسيا القصوى، ومن هناك تتسرّب إلى متاجر الشرق والغرب والشمال والجنوب رغم ملاحقة سلطات الجمارك وشرطة الحدود.