فيلم المخرجة البولندية المرموقة أغنيشكا هولاند الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة، واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في مهرجان فينيسيا السينمائي الأخير؛ حيث نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة وفوقها ثماني جوائز فرعية.
أجرينا حواراً خاصاً معها في نيويورك بعد عرض الفيلم في مهرجان تورنتو في منتصف شهر سبتمبر الماضي.
لماذا اخترتِ الأبيض والأسود بدلاً من الألوان لهذا الفيلم؟ يبدو لي أن القرار فني.
فني بالفعل. هو موضوع قاتم يدور حول الهجرة غير الشرعية لأناس لا يستطيعون العودة ولا يستطيعون التقدّم للاستقرار في بلد أوروبي كما ترغب. الألوان قد تصرف النظر عن جدية هذا الموضوع.
هناك أيضاً الغابة الكثيفة على الحدود. لو كان الفيلم ملوّناً لسرقت الاهتمام. صحيح؟
نعم. المنطقة جميلة طبيعياً، وجمالها كان يمكن له أن يعيق النظر إلى شخصيات الفيلم وإلى الأحداث القاسية التي يعرضها.
«حدود خضراء» قصة مهاجرين من سوريا وأفغانستان تبعاً للوضع الأمني غير المستقر هناك. كان يمكن تقديمه كحكاية ذات خط واحد لكنكِ اخترتِ تقسيمها لفصول. لماذا؟
هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك عدة قصص في هذا الفيلم. كل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة لأن تكون حكاية مختلفة.. ثم هناك ثلاثة فرقاء وهم الضحايا والمسعفون ورجال السُلطة. بعض هذا الأسلوب المطروح في هذا الفيلم مشتق من العمل الذي عملته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السرد السينمائي واعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلم يريد تقديم الأحداث في شكل ليس بعيداً عن التقريرية.
نعم للواقع
الفيلم واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السلطات على النحو الذي ورد في فيلمك…
أنا لست في وارد تجميل ما يقع. لا أريد أن أكذب على المشاهدين وأقول لهم إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجؤوا إليها بحثاً عن أمان لم يقع أو هو وقع في شكل محصور. أحاول أن أستخدم مهنتي هذه لقول الحقيقة، ولكي أفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكن لي إفادته إذا ما كذبت عليه أو خدعته. ما شاهدته أنت على الشاشة وقع وربما لا يزال يقع في دول أوروبية أخرى.
نقدكِ لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكد أن المعاملة العنصرية ما زالت حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين، شرعيين أو غير شرعيين، بات أولوية. صحيح؟
نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصري ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة وهي دائماً هناك. هناك شعوب كثيرة عانتها في كل مكان، لكن العنصرية هي نتاج رفض بعضهم لقاء الغريب على أرض واحدة. هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمد يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.
قضايا مهمّة
هناك أيضاً حرب أوروبية قائمة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمكِ أوكرانيين هاربين؟
نعم. يختلف لأن الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.
معظم أفلامكِ السابقة تطرق باب قضايا مهمّة كما الحال هنا وفي «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السرية» و«أثر» مثلاً، كيف تختارين موضوعات أفلامك؟
أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما قمت بإخراجه. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أصحح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن اللحظات التاريخية التي وقعت الأحداث فيها ليست فقط مهمّة، بل هي لحظات بدت الإنسانية في منحدر. هناك الكثير مما يحدث في هذا العالم وما حدث سابقاً يشكل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.