هذا الرجل يدعى نيجل ريشاردس، وهو من نيوزيلندا. يتكلم الإنجليزية ويجهل اللغة الإسبانية تماماً. لكنه فاز مؤخراً في مسابقة عالمية للـ«السكرابل» جرت في غرناطة بهذه اللغة. أي أنه بطل للكلمات المتقاطعة في لغة لا يتكلم بها. وقد سبق له الفوز قبل 10 سنوات بمسابقة جرت باللغة الفرنسية في مدينة لوفان البلجيكية، وشارك فيها متسابقون من كافة الدول الفرنكوفونية. هذا مع العلم أن المستر ريشاردس لا يفقه شيئاً في الفرنسية.
لعبة «السكرابل» تسلية اجتماعية قديمة ظهرت في عام 1931. وهي منتشرة في العالم كله وبعشرات اللغات، تشبه الكلمات المتقاطعة، يتقابل فيها شخصان أو أربعة وبينهم رقعة مربعة على المائدة، حيث يسحب كل منهم عدداً معيناً من الحروف ويحاول تركيب كلمات ذات معنى، أفقية أو عمودية، معتمداً على الحروف الموجودة عنده وتلك التي يضيفها منافسوه.
كيف يمكنك أن تحل كلمات متقاطعة بلغة تجهلها؟
يبلغ نيجل ريشاردس من العمر 57 عاماً. تراه فتظن أنه من المشردين العاطلين عن العمل. كم هي خداعة المظاهر! فهذا النيوزيلندي يتمتع بذكاء خطر. إنه نابغة. يحفظ الكلمات من القاموس، الكلمات الطويلة ذات الحروف التي تمنحه أعلى العلامات، ثم يستخدمها أثناء اللعب دون أن يفهم معانيها. ومن المعروف للبارعين في هذه اللعبة أن الحروف قليلة الاستعمال، مثل الضاد والزاي والخاء، هي التي تتيح للاعب الفوز بنقاط أعلى من الألف والياء واللام.
وطوال ربع قرن لم يتوقف نيجل عن المشاركة في منافسات «السكرابل» باللغة الإنجليزية التي يجيدها. وكان يربحها كلها. وهذا الربح يتيح له بلوغ مسابقة «براند» السنوية العالمية الشهيرة للكلمات المتقاطعة لنيل كأس الملك. كما شارك في مسابقة تجري في تايلند بالإنجليزية. وهو يحمل لقب بطل أمريكا في هذه اللغة لخمس مرات. فهل اكتفى بكل هذا الفوز وقرر التفرغ لتأمل الكؤوس التي تصطف على عدة رفوف في صالون بيته؟
إنه يحفظ آلاف المفردات ليس من بينها مفردة الاعتزال. فهو، مثلاً، تمكن من حفظ 400 ألف كلمة باللغة الفرنسية وحدها. يتعلم طريقة كتابة كل منها دون أن يعرف معناها. وهذه طريقة فعالة بشكل جنوني لمن استطاع إليها سبيلاً. كيف يمكن للمرء أن يحفظ آلاف الكلمات التي لا تعني له شيئاً. يقول الدكتور برنار كروازيل، رئيس قسم الدماغ في مستشفى مدينة ليون الفرنسية، إن السر الحقيقي في الذاكرة يتعلق بحفظ معلومة معينة عدة مرات ثم معاودة استخدامها عدة مرات. إن فهم المعنى مجرد عامل مساعد لكنه ليس ضرورياً. وهذا الطبيب يعرف ما يقول فهو مؤلف عدة مراجع عن الذاكرة البشرية.
ليت جهة ثقافية عربية تدعو السيد نيجل ريشاردس لخوض مسابقة للكلمات المتقاطعة باللغة العربية وتمنحه فترة أشهر للاستعداد لها وحفظ مفرداتها، وهو قد يفوز على الناطقين بلغة الضاد دون أن يفهم معنى «صباح الخير».