الأخت نيللي: فوزي بجائزة زايد للأخوّة الإنسانية أسهم في إنقاذ مئات النساء

قبل خمسين عاماً تقريباً، وبين الجدران الباردة لأحد سجون تشيلي، واجهت نيللي كوريا، التي كانت تبلغ من العمر 17 عاماً، واقعاً قاسياً، شكّل مسار حياتها، ودفعها لتمكين ودعم الفتيات والنساء، وهو دور تبنّته منذ صغرها، عندما شهدت حادثة اعتداء على فتاة صغيرة، ما ترك في نفسها أثراً عميقاً.
كانت نيللي تطمح إلى العمل كحارسة سجن، ودفعها ذلك إلى البدء بالعمل مع السجينات. وخلال زيارتها الأولى إلى السجن، وخلف الأبواب المغلقة، والقضبان الحديدية، شاهدت نساء - أمّهات، وبنات، وأخوات - يعشن في عزلة، وغير قادرات على القراءة، أو الكتابة. وفي تلك اللحظة، تعهدت نيللي بأن تكرّس حياتها لمنح هؤلاء النساء فرصة جديدة للحياة.

حاورت «كل الأسرة» نيللي كوريا، وتُعرف بـ«الأخت نيللي»، أو «الأم نيللي»، أحد المكرمين بجائزة زايد للأخوّة الإنسانية لعام 2024، تقديراً لجهودها الإنسانية الداعمة لقضايا المرأة، وجهودها في هذا المجال، وهي جائزة دولية مستقلة تُمنح سنوياً، للأفراد والمنظمات التي تعمل بدأب من أجل ترسيخ قيم الأخوّة الإنسانية والتعايش السلمي، فهي صاحبة «مؤسسة المرأة الصامدة»، التي أسستها عام 2008، لتكون ملاذاً للنساء الفقيرات والمهمّشات، في مجتمعها بتشيلي، حيث تقدم لهن فرصاً جديدة للتأهيل، وإعادة الاندماج في المجتمع، لتفيد الآلاف من النساء، وفي العام الماضي وحده، دعمت المؤسسة 300 امرأة، و700 طفلة.

وفي إطار جهودها لمساعدة النساء والأطفال في مجتمعها، بتشيلي، تذكر الأخت نيللي بصوت يملأه الحزن «بادرت أولاً بالتوجه إلى السلطات المدرسية للإبلاغ عن تعرّض إحدى الطالبات للاعتداء الجسدي، وكان من الصعب إقناعها بأن ما حدث ليس ذنبها، وأن حياتها لن تتأثر إلى الأبد بهذا الحادث. لم يُتخذ أي إجراء ملموس لنصرة الفتاة، سوى الدعم العاطفي الذي قدمته لها، رغم قلة خبرتي، لقد احتضنتها، ورافقتها في رحلتها».
تغيير حياة النساء إلى الأفضل
في عام 2024، احتفلت «مؤسسة المرأة الصامدة» بمرور 10 سنوات على تأسيسها، وتذكرت الأخت نيللي بدايات جهودها لتمكين النساء، بخاصة المستضعفات، وتقول «تستحق كل امرأة فرصة المضي قدماً في حياتها. وفي مؤسستنا، نحن ملتزمون بمساعدة النساء في السجون على تغيير حياتهنّ، وبناء مستقبل خالٍ من قيود السجن، وآثاره».
وتضيف «لو كان لدينا نظام تعليمي أفضل، ومساحات خضراء يمكن للأطفال اللعب فيها، وسكن لائق، لقلّت معدلات الجريمة، فالوقاية خطوة رئيسية لكسر حلقة الجرائم التي ترتكبها النساء، والتي تعد نتيجة للفقر المدقع، وسوء المعاملة، وفقدان الأمل في مستقبل أفضل».

توفير بيئة آمنة للنساء بعد خروجهن من السجن
وتوضح الأخت نيللي أن نحو 94% من النساء اللاتي شاركن في برامج المؤسسة، لم يرتكبن جرائم جديدة خلال العامين التاليين لإطلاق سراحهن، وتوضح «توفر«مؤسسة المرأة الصامدة» للنساء بعد خروجهنّ من السجن بيئة آمنة، بخاصة لمن ليس لديهنّ مكان يلجأن إليه. وتقدم المؤسسة مأوى، وخدمات إرشادية، وفرص عمل، ما يساعد النساء على إعادة بناء حياتهنّ من جديد. فعندما يتم إطلاق سراح النساء، وليس لديهنّ مكان يذهبن إليه، نرحب بهنّ في مؤسستنا. هذا الدعم لا يساعدهنّ على تجاوز التحديات فقط، بل يزوّدهنّ أيضاً بالموارد اللازمة لإعادة بناء مستقبلهنّ، بكرامة وأمل».
تعزيز استحقاق جميع النساء للاحترام
وتشير الأخت نيللي، إلى أن العديد من النساء لا يدركن أنهنّ يستحقنّ الاحترام، ومن هنا تأتي أهمية ورشة العمل الرئيسية في المؤسسة، التي تحمل عنوان «أنا أولاً وقبل كل شيء»، والتي تهدف إلى تعزيز تقدير الذات لدى النساء «عندما تدرك النساء قيمتهنّ الحقيقية، يستعدن احترامهن لذواتهن» مؤكدة إن هذا التحول في التفكير يمكّن النساء من السيطرة على حياتهنّ، والتعافي من الصّدمات، وبناء مستقبل مشرقّ لهنّ ولعائلاتهن.

تأثير الحصول على جائزة زايد للأخوّة الإنسانية
كان تكريم الأخت نيللي بجائزة زايد للأخوّة الإنسانية، العام الماضي، نقطة تحول حقيقية، لها ولمؤسستها، فبعد حصولها على الجائزة، ازداد تأثير الأخت نيللي ليتجاوز حدود تشيلي، حيث دُعيت إلى مشاركة قصتها عالميا، وإلهام الآخرين لتنشر رسالتها «معاً يمكننا ترسيخ قيم الأخوّة وبناء السلام»، وتبيّن «لقد منحتنا الجائزة الموارد المالية، وسلطت الضوء على عملنا، ما ساعدنا على الوصول إلى النساء في مناطق جديدة، داخل تشيلي، فمن خلال هذه الموارد تمكّنت المؤسسة من توسيع نطاق عملها ليشمل مناطق خارج العاصمة سانتياغو، مثل مدينة كونسيبسيون، في جنوب تشيلي، والمنطقة الساحلية في فالبارايسو».
مستقبل مفعم بالأمل والكرامة
إن إيمان الأخت نيللي بأهمية منح النساء فرصاً جديدة كان له تأثير عميق في تغيير حياة العديد من النساء، واختتمت حديثها قائلة «عندما أرى النساء يجدن الأمل، ويتواصلن مجدداً مع أسرهنّ، ويُعدن بناء حياتهن بكرامة، أشعر بأن مهمتي قد تحققت. لكنني لن أتوقف أبداً، لأن كل امرأة تستحق فرصة جديدة للنهوض واحتضان المجتمع لها، بروح الرحمة والوحدة».
جائزة زايد للأخوّة الإنسانية
تأسست هذه الجائزة العالمية التي تحمل اسم الوالد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، عام 2019 عقب اللقاء التاريخي بين فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس في أبوظبي، حيث وقّعا وثيقة الأخوّة الإنسانية.