قابلت مخرجين، ومنتجين، وكتّاباً، وممثلين، طوال تسع سنوات قضيتها في عاصمة السينما. كل لقاء كان يختلف باختلاف الشخص، والظروف. وتميّز لقائي مع جين هاكمان، الذي توفي أخيراً، بأنه أراد أن يبادر بالاعتذار عن تأخّره، والعذر كان غريباً.
في عام 1984، دعاني المنتج التونسي طارق بن عمّار، إلى تونس لحضور تصوير فيلم بعنوان «مُساء فهمه» (Misunderstood)، للمخرج جيري تشاتزبيرغ. لم أكن لأدع الفرصة تفوتني لأني أحب مشاهدة الأفلام حين تصويرها، ما يمنحني خلفية معيّنة حين الكتابة عنها، ولأن المخرج تشاتزبيرغ (الذي ما زال حياً يُرزق لكنه منقطع عن العمل منذ سنوات)، سبق وقدّم فيلمين مهمّين لفتا الانتباه إليه، هما Scarecrow («فزاعة»، 1973)، وPanic in Needle Park («ذعر في نيدل بارك»، 1971).
السبب الثالث كان وجود ممثل ارتفع شأنه سريعاً في السبعينيات، هو جين هاكمان. كان لعب أحد دورين رئيسيين في «فزاعة»، إلى جانب آل باتشينو، بينما مثّل باتشينو بطولة «ذعر في نيدل بارك»، بمفرده.
تم تعيين موعد لقاء مع جين هاكمان، سريعاً. أذكر أن الموعد كان في الثالثة بعد الظهر، لكنه تأخر عنه نحو ربع ساعة. وحين وصل بدا عليه الارتباك. ألقى التحية، وقال من دون مقدّمات:
«هل قال لك بن عمّار إنني وصلت ليلة البارحة فقط؟».
تابع قبل أن أقول لا: «كان من المفترض أن أصل إلى تونس قبل ثلاثة أيام لكني لم أستطع».
ما زلت مستمعاً أكثر مني متحدّثاً. في الحقيقة كل ما قلته له هو اسمي (من باب التعرّف)، وسعادتي بمقابلته. لم يبدُ عليه أنه اهتم بهذا الشأن.
كان يرتدي قبّعة رياضية (Cap)، خلعها فجأة، وأشار بأصبعه إلى مقدمة رأسه، وقال: «لقد حرقوا شعري».
من؟ سألته.
أجاب: «خلال مكياج فيلمي الذي أتيت منه. كان من المفترض تغيير لون شعري فقط، لكن المخرج أراد حلق مقدّمة رأسي. لا أدري ما حدث بالضبط. فجأة، اشتعل شعر رأسي بسبب مادة صبّوها على الرأس».
الفيلم الذي كان يقصده هو Eureka الذي تم تصويره في جامايكا. قلت له: «يبدو أن الخبرة الغربية لم تصل إلى هناك».
ضحك فجأة، على الرغم من أني لم أقصد السخرية. وبعد أن شعر بالراحة، ابتسم، ونظر إليّ منتظراً السؤال الأول.
ضحك مرّة ثانية، عندما سألته إذا كان سيمثل بالقبّعة، أو من دونها وقال: «بالقبّعة طبعاً».
اقرأ أيضاً: تفاصيل خبر وفاته صدمت جمهور السينما.. أفضل أفلام جين هاكمان