14 أبريل 2025

من لقاءات محمد رُضا.. الوقوف أمام حسن الإمام لأول مرّة

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

عندما تكون شاباً مع قدر وفير من البراءة والطموح تفاجئك بعض المقابلات التي تفصح عن أشياء غير تلك التي كنت تتصورها.

كنت أدرس الثانوية في مدرسة الفاروق في أواخر الستينيات وأكتب مقالاتي لصحيفة «المحرر» ليلاً وأسلمها في أي وقت فراغ. في تلك الفترة أخبرني المسؤول عن صفحة الثقافة والفنون إلياس سحّاب بأن المخرج حسن الإمام يُصور فيلماً جديداً في مدينة عاليه (نحو 30 كلم بعيداً عن بيروت).

أخذت أتعاب المشوار وتسلحّت بكاميرا كان والدي (رحمه الله) اشتراها لي وانطلقت إلى العنوان المنشود.

كانت هذه أول زيارة لي لموقع تصوير، وأمضيت الوقت قبل وصولي إلى المكان حالماً بأن أرى عالم التصوير من الداخل. لم أكن جاهلاً بتاريخ أفلام حسن الإمام ولم أكن أتوقع من فيلمه هذا، «الحب والفلوس»، ما يغيّر رأيي في أعماله.

مكان التصوير سطح منزل مع غرفة جانبية. وقفت عند المدخل ونظرت مباشرة إلى ذلك المخرج الذي وقف ينظر إليّ بدوره. ذكرت له من أنا فرحّب بي ثم التفت إلى بطلة الفيلم ناهد شريف وقال لها «أدخلي وغيّري ملابسك للمشهد الجاي». هذه غادرت السطح وتركت حسن يوسف يدردش مع مدير التصوير غسان هارون.

وقفت انتظر أن يتوجه المخرج صوبي لإجراء المقابلة، لكنه جلس ليكمل لعب الطاولة مع شخص آخر متناولاً الأرغيلة في يمينه. تقدمت منه وسألته متى أستطيع إجراء المقابلة، أجاب: «بعد شوية لما أخلص من اللعب. وراك حاجة؟». قلت لا. أكمل اللعب حتى من بعد خروج ناهد شريف غير راضية عن تسريحة شعرها. قال لها «غيّريها… يللي يعجبك».

أليس القرار قراره؟ تساءلت في قرارة نفسي. بعد نحو ربع ساعة انتهى اللعب ودعاني لكي أجلس مكان اللاعب الآخر الذي نهض ليكمل عمله، قلت له: “جو العمل مرتاح وغير مستعجل». ضحك وأجاب: “طبعي كده. ما اعرفش اشتغل إلا في جو هادئ ولطيف زي ده كده».

سألته بطبيعة الحال عن القصّة من باب العلم بالشيء وعن طاقم العمل والإنتاج المشترك بين مصر ولبنان كحال هذا الفيلم. أثنى كثيراً على هذا النوع من الإنتاجات وتمنى استمراره (أمر للأسف لم يستمر طويلاً).

- أقصد أن الفريق يبدو كما لو كان في إجازة.

أجاب: ده بيريح الأعصاب. مش كده؟

كنت أقصد بملاحظتي النقد لكن المخرج عبّر عن وجهة نظر دفعتني للسؤال التالي. الجواب عليه كان- بالنسبة إليّ- مذهلاً أكثر مما هو خطأ:

- لا حظت في أفلامك عدم التقيّد بقوانين معيّنة.

قال: «زي إيه؟».

- مثلاً في أكثر من فيلم تتكوّن اللقطة من ممثلين متواجهين. فجأة ومن دون مقدّمة يطلع ممثل ثالث من تحت الكادر ليقف بينهما.

أجاب بأريحية جميلة: «وفيها إيه؟».

عند هذا الحد اكتفيت خصوصاً وأن الجميع كان ينتظر إشارته للبدء باستكمال التصوير وناهد شريف بدت مرتاحة لتصفيفة شعرها المختلف عن اللقطة السابقة. شكرته وغادرت عائداً إلى بيروت لأكتب مقالتي.

آه.. تذكرت. على استعجالي نسيت الكاميرا في مكان التصوير. عادت إلى مكتب الإنتاج في بيروت واستلمتها في اليوم التالي.