نسيم نصر: أوازن بين الحداثة والتجريد.. واختياراتي غريزية ولكنها مدروسة

بين الألوان المتداخلة واندماجها في شكل تعبيري يزاوج بين القوة والمرونة والهوية الفنية التي تجسد المشاعر وعمق العاطفة، يبرز الفنان التشكيلي اللبناني نسيم نصر عاشقاً لدبي، حيث يعتبرها «موطناً لعائلتي»، ويقدّم لوحته «النصر، الحب، الفوز»، كتحيّة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي طالما رفع علامة النصر كرسالة ملهمة، تعكس روح التحدّي والطموح لدى قيادة لا تعرف المستحيل، وتتسم برؤية إيجابية نحو المستقبل.
ففي عالم تتداخل فيه الثقافات وتتسارع التحولات، يبرز نصر كصوت بصري يعيد تعريف العلاقة بين الفن والهوية، حيث تُعد لوحاته نوافذ تشرع على عوالم من الأحاسيس العميقة، تتشابك فيها الرموز التراثية مع التقنيات الحديثة، ليقدّم رؤى جديدة تعكس صراعات الإنسان المعاصر، وتطلعاته، مع إصراره على كون «الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحلّ مكان اليد البشرية»، راصداً مكامن الإلهام من «ديناميكية دبي وجذوري اللبنانية كما الحياة نفسها».

في أحدث لوحاتك «النصر، الحب، الفوز»، ما الذي أردت التعبير عنه؟
ما أردت قوله عبّرت عنه عبْر خاصية الإنستغرام حيث قلت وأكرّر «على مدار 30 عاماً، كانت دبي موطناً لعائلتي، منحتنا كل شيء، منحتنا الفرص، والنمو، والمستقبل، وبالتالي، فإنّ هذه اللوحة هي تحيّتي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، القائد الملهم الذي شكّل هذه الإمارة الرائعة بروح الصمود والطموح، وحب شعبه. تم إنشاء هذه اللوحة باستخدام الباستيل الزيتي الناعم على القماش، وهي تجسد تحية الأصابع الثلاث، التي ترمز إلى الفوز، والنصر، والحب، وهي القيم التي يجسدها سموه، وتعكس روح دبي ذاتها. وتعكس الألوان الزاهية والضربات التعبيرية الطاقة اللامحدودة للمدينة، ووحدتها، وتقدمها المستمر. هذه اللوحة هي طريقتي في التعبير عن شكري لدبي، وقيادتها، والحاكم الذي تستمر رؤيته في إلهامنا جميعاً».
يتماشى عملك مع الحداثة والتجريب الفني.. ما الذي يؤثر تكوين عالمك البصري، وكيف تصفه؟
عملي هو توازن بين الحداثة والتجريد، ولغة أسمّيها «التعبيرية اللونية الحداثية». أختزل المشاعر في تركيبات متعمدة، حيث يكون اللون هو الراوي الأساسي. وتتنوع التأثيرات بين التعبيرية التجريدية، ولوحات حقل اللون، ومبادئ التصميم الحديث. أسعى إلى تحقيق الوضوح في التعقيد، مستخدماً اللون والشكل لإثارة مشاعر عميقة، وغير منطوقة.
أدوات الذكاء الاصطناعي شريك مساعد في إنشاء الأنماط وتصور المفاهيم ولكنها لا تستبدل اليد البشرية
كيف تختار تركيبات الألوان الخاصة بك، وكيف تشكل هويتك الفنية؟
اللون ليس مجرد عنصر في عملي، بل هو الأساس. لا أستخدم اللون فحسب، بل أشعر به، وأشكّله، وأتركه يقودني. اختياراتي غريزية لكنها مدروسة، تتأثر ببيئتي، وتجربتي، وطاقة اللحظة. من دون هذا الاستكشاف العميق للون، لن يكون لعملي وجود.

ما الذي يلهمك، ولماذا تكرر رموزاً وأنماطاً معيّنة؟
الإلهام يأتي من الحياة نفسها، من طاقة دبي الديناميكية، ومن جذوري اللبنانية، والموسيقى، والهندسة المعمارية، ولحظات السكون. أنا منجذب إلى الترابط، والهيكلية، والاستمرارية، ولهذا يلعب التكرار دوراً محورياً في عملي. ومن الأمثلة البارزة على ذلك سلسلة «بناء الجسور»، حيث أستخدم القوس كرمز للترابط، والمرونة، والانتقال. فهو ليس مجرد شكل معماري، بل رابط يجمع بين الثقافات، والأفكار، والتاريخ، ليكون بوابة بين الماضي والحاضر. سواء من خلال التكرار الهندسي، أو التفاعلات اللونية السلسة، فإن الأنماط المتكررة في عملي تخلق إيقاعاً بصرياً، يعزز موضوعات الوحدة، والتحول، والعمق العاطفي.


ما هي التقنيات التي تستخدمها، وكيف تطوّرت؟
أعمل باستخدام تطبيق اللون المسطح، والطبقات، والدقة في التكوين، لخلق إحساس بالعمق من خلال البساطة. تطوّرت تقنياتي من التجريد التقليدي إلى نهج شديد القصدية، حيث يخدم كل لون وشكل غرضاً محدداً. أخيراً، بدأت باستكشاف الوسائط المختلطة والأحجام الكبيرة، متحدّياً باستمرار حدودي الخاصة.
أيّ من أعمالك تعتقد أنه يتصل بالجمهور بشكل أفضل؟
هناك سلسلتان بارزتان: «بناء الجسور»، و«زانثوفيليا». في «بناء الجسور» يصبح القوس رمزاً للحركة والحوار، وجسراً بين الثقافات، والأزمان، والأفكار، إنه يمثل القوة والسيولة، وهو شكل ثابت، لكنه يدعو إلى التفسير والتأمل. أما «زانثوفيليا» فهي استكشاف للون الأصفر باعتباره لوناً للضوء، والطاقة، والشدّة، إنها دراسة عن كيف يمكن لدرجة لونية واحدة أن تثير الدفء، والحنين، والحيوية، ما يدفع بحدود الحداثة والتعبير العاطفي إلى مستويات جديدة.


كيف ترى تطوّر الفن المعاصر، وأين يتناسب عملك ضمن هذا المشهد؟
الفن المعاصر أصبح أكثر مرونة، بلا حدود، ومتكاملاً مع التكنولوجيا. لم يعد يتعلق بالحركات الفنية، بل بالأصوات الفريدة التي تستطيع التميّز وسط الضوضاء. يقف عملي عند تقاطع الدقة والتعبير، حيث تحمل البساطة العاطفة العميقة، ويصبح اللون بياناً شخصياً. أركز على موضوعات الهوية، والترابط، واللغة العالمية للألوان.
مع صعود الذكاء الاصطناعي والفن الرقمي، هل ترى نفسك تدمج هذه التقنيات؟
نعم، ولكن كامتداد، وليس كبديل. يمكن أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الرقمية، كمساعدين أقوياء في تصوّر المفاهيم وإنشاء الأنماط، لكنها لن تحل أبداً محل اليد البشرية، والحدس، والاتصال العاطفي الخام في عملي. أرى التكنولوجيا كشريك، وليس كخالق.
ما الرسائل التي تحملها أعمالك؟
عملي هو حوار بين اللون والمشاعر. الرسالة المباشرة جريئة وفورية، بينما تكمن الرسالة غير المباشرة في الطريقة التي تتفاعل بها الألوان، وتتداخل، أو تخلق توتراً بصرياً، أريد أن يشعر المشاهد بشيء شخصي، أن يدخل في حوار صامت مع اللوحة، سواء أثارت فيه الفرح، أو الحنين، أو الفضول، أو التأمل.