20 أبريل 2025

ناصر إبراهيم: أستلهم من قصص العشق العربي وأروي التاريخ بحسّ فني معاصر

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

رسم لنفسه مكانة بارزة في المشهد الثقافي العربي، مقدماً عروضاً تمزج بين التراث والحداثة، وتحمل رسائل فكرية وثقافية، تعكس هوية المنطقة. فالفن لم يكن بالنسبة إليه مجرد هواية بل، مساراًَ للحياة، وحلماً نما، وتطوّر حتى أصبح مشروعاً فنياً متكاملاً.

هو المخرج والفنان ناصر إبراهيم الذي حاورناه لنكتشف معه أهم محطات رحلته، ونغوص في رؤيته الفنية، وأحلامه التي لا تزال تنبض فوق كل خشبة مسرح يقدم من فوقها عروضه:

خلال إحدى عروض أوركسترا
خلال إحدى عروض أوركسترا "أرابيسك" في القرية العالمية

كيف تصف لنا بدايتك في مجال المسرح والرقص؟

انطلقت رحلتي في هذا المجال عام 1985، حين انضممت إلى الفرقة القومية السورية التابعة لوزارة الثقافة، في مدينة الرقة، كانت تلك الفرقة بمثابة أول مدرسة حقيقية لي، حيث تعلمت فيها الأسس الأكاديمية لفنَّي الرقص والمسرح، ومن هناك بدأت ملامح حلمي تتشكل، وكانت تلك اللحظات نقطة الانطلاق نحو مشواري الفني.

هل كان تحوّلك إلى الاحتراف خطوة مخططة أم وليدة التجربة؟

في البداية، كان الرقص المسرحي بالنسبة لي مجرد شغف، وهواية أمارسها بدافع الحب لهذا الفن. لكن مع الوقت، بدأ هذا الشغف يكبر، وينضج، ووجدت نفسي أغوص أعمق في تفاصيله وتقنياته. والتحوّل نحو الاحتراف لم يكن قراراً مفاجئاً، بل جاء نتيجة طبيعية لتجارب متراكمة، أبرزها مشاركتي في ورش عمل مع مدربين، وفنانين عالميين، من بيلاروسيا، وموسكو، وعدة دول أوروبية. هناك تعلمت على يد أساتذة كبار، واكتسبت أدوات جديدة مكّنتني من الانتقال من مرحلة الهواية إلى الاحتراف، ومن مجرد مؤدٍ إلى صاحب رؤية فنية واضحة في الرقص المسرحي، ومن ثم تأسيس «أورنينا»، ومن بعد ذلك «أرابيسك».

أروكسترا
أروكسترا " أرابيسك "

بصفتك المؤسس والمخرج والمشرف العام لأوركسترا «أرابيسك» للموسيقى العربية، ما الرؤية التي انطلقت منها الفرقة، وكيف تقيّم مسيرتها منذ التأسيس حتى اليوم؟

حين تأسست أوركسترا «ارابيسك»عام 2021، كان هدفي الأول إعادة الموسيقى العربية إلى مكانتها على المسرح الفني، الإقليمي والدولي، من خلال تقديمها بأسلوب يحترم أصالتها، ويواكب في الوقت ذاته الحداثة والتطوّر. ووجود مجموعة من أفضل العازفين العرب الذين يمتلك كل واحد منهم خبرة تتجاوز العشرين عاماً، أتاح لنا بناء هوية موسيقية، قوية ومتميّزة. وخلال السنوات الماضية، شاركنا في أبرز الفعاليات في منطقة الخليج.

شاركت مع «أرابيسك» في القرية العالمية للعام الرابع على التوالي، كيف تصف هذه التجربة؟ وما الذي ميّز حضوركم في هذا الحدث الثقافي الكبير؟

مشاركتنا المستمرة في القرية العالمية هي شهادة على النجاح والتفاعل الكبير الذي حققته أوركسترا «أرابيسك» مع الجمهور، المحلي والعالمي، لكونها واحدة من أبرز الفعاليات الثقافية في المنطقة، التي تتيح لنا تقديم الموسيقى العربية بمزيجها التقليدي والمعاصر، لجمهور متنوّع الجنسيات والثقافات. وما يميّز عروضنا هو قدرتنا على الابتكار، من خلال تقديم برنامج موسيقي متجدّد يجمع بين الكلاسيكيات الخالدة، ولمسات حديثة مدروسة، إلى جانب الأداء الحي الباهر الذي يقدمه عازفونا المحترفون. هذه التجربة لا تثري الجمهور فحسب، بل تغني مسيرتنا الفنية، وتدفعنا دائماً نحو التطوير، والتجديد.

إحدى عروض فرقة أورنينا التراثية
إحدى عروض فرقة أورنينا التراثية

متى كانت انطلاقة فرقة أورنينا؟ وما أبرز المحطات التي شكلت مسيرتها الفنية؟

أسست فرقة أورنينا عام 1993، في دمشق كمشروع فني مستقل، كان الهدف ومنذ البداية تقديم عروض مسرحية، غنائية واستعراضية، بروح جديدة، وبأسلوب يجمع بين الأصالة والتجديد. ومع تطور العروض، وتزايد الإقبال الجماهيري، قرّرنا نقل مقر الفرقة إلى دبي عام 2001، لنبدأ مرحلة جديدة من التوسع المهني والانتشار الإقليمي. وخلال أكثر من 25 عاماً، استطاعت أورنينا أن ترسخ مكانتها كإحدى أبرز الفرق المتخصصة في المسرح الغنائي العربي، من خلال مشاركاتها في مهرجانات كبرى، وتقديم أعمال تمزج بين الفن، والهوية الثقافية العربية.

لكونك مصمم رقصات، كيف ترصد اهتمام الجمهور، العربي والعالمي، بالعروض المسرحية الراقصة؟

بالتأكيد هناك اهتمام متزايد، وإقبال واسع على هذا النوع من العروض، فقد أصبحت ثقافة المسرح الغنائي الاستعراضي، والمسرح الراقص، أكثر انتشاراً، ولها جمهور كبير ومتخصص، يتجلى ذلك بشكل واضح من خلال الحضور الجماهيري الكثيف لعروضنا في مختلف الدول العربية، سواء في السعودية، مسقط، الكويت، أو الإمارات، حيث يستقطب كل عرض الآلاف من المشاهدين، وهذا يدل على أن الجمهور العربي بات يقدّر هذا النوع من الفنون، ويحرص على متابعته، ما يشجعنا على الاستمرار في تقديم أعمال متجددة تجمع بين الأصالة والإبداع الفني الحديث.

عرض فرقة أورنينا
عرض فرقة أورنينا

ما هي الرسائل التي تحملها عروضكم المسرحية؟

نسعى دائماً إلى تقديم أعمال تحمل فكراً، وثقافة، وقيمة تاريخية، ولا تقتصر عروضنا على الترفيه فقط، بل تمتد إلى تسليط الضوء على محطات مضيئة في تاريخ الشعوب العربية. على سبيل المثال مع «أورنينا» قدمنا عرض «عمان الملاذ» الذي يستعرض تاريخ عمان، و«إشراقة المجد» الذي يحكي قصة الإمارات، و«طوق الياسمين» الذي يروي حكاية دمشق، و«الياسر كنعاني» الذي يتناول تاريخ فلسطين. ونركز في أعمالنا على إبراز الهوية الثقافية للمنطقة، عبر تسليط الضوء على التراث، والحكايات، والعادات والتقاليد، والأغاني الشعبية. فمنطقتنا العربية غنية بتراثها، سواء كان الشعري، أو الغنائي، أو حتى التراث، المادي وغير المادي. فنحن نستلهم من قصص العشق العربي مثل قيس وليلى، التي لا تقل أهمية عن روميو وجولييت، ومن تاريخنا المملوء بالحضارات والإنجازات، لننقل للجمهور تجربة فنية تمزج بين الأصالة والحداثة.

ما الأساليب التقنية التي تعتمدونها لمواكبة التطوّرات التقنية في المسرح الغنائي؟

نحرص على تحديث عروض المسرح الغنائي بما يواكب التطور التكنولوجي المتسارع، من دون أن نفقد الطابع الفني الأصيل لهذا النوع من المسرح، وذلك بتوظيف تقنيات متقدمة، مثل الهولوغرام، والعرض ثلاثي الأبعاد (3D Mapping)، والشاشات التفاعلية، إلى جانب استخدام أنظمة إضاءة وصوت عالية الدقة، بما يسهم في تقديم مشاهد مسرحية غنية بصرياً، مملوءة بالحيوية، ويمنح الجمهور تجربة متكاملة تمزج بين الفن، والتكنولوجيا الحديثة.