06 ديسمبر 2024

هل الجن أوهام وخرافة؟.. شيخ الأزهر يجيب

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

عالم الجن والشياطين من الأمور الغيبية التي تختلط فيها الحقائق بالأباطيل والخرافات؛ حيث تسيطر مفاهيم خاطئة عن هذا العالم الخفي على عقول كثير من البسطاء، وأيضاً المثقفين، وتدفعهم اعتقادات باطلة إلى سلوكيات مرفوضة تمس عقيدتهم الدينية، وتضر بعقولهم وأجسادهم وعلاقاتهم بكل من يحيط بهم من خلق الله.

فما هي حقيقة هذا العالم الخفي من خلال النصوص الدينية الصحيحة؟

يجيب د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر: «الجن طائفة من الموجودات الخفية، وهي بطبيعتها مستورة عن حواسنا؛ فلا نراها ولا نسمعها، ولها شعور وإدراك وتصرفات تخصها، ومعظم أحوال الجن وأفعالهم لا نعرف عنها شيئاً، وينطبق عليها ما ينطبق على الإيمان بالغيبيات، وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم. ومن هنا، وجب الإيمان بوجودهم حسب القدر الذي بينه القرآن وأوضحته السنة النبوية الصحيحة، وفيما وراء هذين المصدرين تصبح معلوماتنا عن الجن عارية عن أي دليل من أنواع الأدلة الحسية أو العقلية، وقد تحدثت عنه كذلك الكتب السماوية الأخرى، فقد ذكر في الإنجيل أن الشيطان تعرّض لسيدنا عيسى، عليه السلام، في أكثر من موضع».

يضيف شيخ الأزهر: «القرآن أفرد للجن سورة سميت باسمه؛ وهي (سورة الجن)، وقد وقع الإجماع بين المسلمين على أن عالم الجن حقيقة موجودة؛ فإنكاره يعارض ظواهر الكتاب والسنة، ويخرج بالإنسان عن دائرة الإيمان الصحيح.. وإذا كان الإنسان مخلوقاً من طين، والملائكة من نور، فالجن مخلوق من النار: «ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، والجان خلقناه من قبل من نار السموم».

هل يرى الإنسان الجن على صورته الحقيقية كما يدعي بعضهم؟

يبين د. الطيب: «الإنسان لا يرى الجن في حالته الطبيعية؛ لأن الجن مخلوق من نار ولا يمكن أن نراه في هيئته الحقيقية مطلقاً، ومهمته الإغواء والتضليل والتلبيس، ويجعل الإنسان يشعر بنزاعات في نفسه، وهنا نتكلم عن أن الجن أو الشيطان فريق واحد، ولكن هناك الجن الصالح والجن الفاسق. والماديون أو الملحدون يغفلون عن هذه الغيبيات ويؤمنون فقط بما يلمسونه أو يرونه أو يسمعونه، لكن الوجود في الحقيقة أكبر من ذلك بكثير، فهناك الوجود المادي الحسي وهناك الوجود الغيبي، والإيمان بالغيب هو محور الإيمان، والمؤمن بالغيب أقوى وأقدر على التصور من الناكر له».

ويوضح شيخ الأزهر أن خلق الجن من النار لا يعني أن ذوات الجن وأجسامهم نيران ملتهبة، بل المقصود أن أصل الجن من النار، مثله في ذلك مثل الإنسان؛ فإن أصله من طين، لكن ذات الإنسان بعد صيرورتها إنساناً لم تعد طيناً أو تراباً.

ما موقف الشرع من الذين ينكرون وجود الجن ويعتبرونه من عالم الخرافات والأوهام؟

يوضح د. الطيب: «الإيمان بوجود الجن من عقائد الإسلام، والتصديق بوجوده من مقتضيات التصديق بالقرآن في كل ما حدّث عنهم، والقرآن الكريم تحدث عن الجن وصفاته، وأن الجن يعيش ويموت ويبعث؛ كالإنسان سواء بسواء، حيث يقول الحق سبحانه: «أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس»، والجن مثل الإنسان؛ يتزوج ويتناسل، ومنهم الذكور ومنهم الإناث «وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً».

ويوضح شيخ الأزهر بعض صفات الجن: «للجن شعور وإرادة، وله قدرات خارقة على الأفعال العجيبة والحركات السريعة والأفعال الشاقة، كما ورد في قصص سليمان، عليه السلام، وقصة ملكة سبأ، والجن مكلف بالأوامر والنواهي الشرعية، ومكلف بالعبادة كالإنسان «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، ومنهم المسلم ومنهم الكافر، ومنهم الصالح ومنهم الفاسق «وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون»، «وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك». والذي يظهر من نصوص القرآن أن (إبليس) من الجن وأن له ذرية وقبيلاً «وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً».