بعض الناس قد يؤول إليهم مال حرام أو فيه شبهة حرام، سواء بعلمهم أو دون علمهم، وتظل ضمائرهم وفطرتهم النقية ترفض هذا المال وتريد التوبة منه.. والسؤال هنا: كيف يتخلص الإنسان من كل حرام أو شبهة حرام آل إليه سواء بقصد أو دون قصد؟
تلخص دار الإفتاء المصرية المطلوب من المسلم بقولها: «الواجب على كل من اكتسب المال الحرام أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يردّ هذا المال إلى صاحبه، أو إلى ورثته إن كان متعلقاً بحق أحد من الناس، فإن تعذّر ردّه إلى صاحبه أو إلى ورثته فعليه أن يتصدق به على الفقراء والمساكين، أو يدفعه في مصالح المسلمين العامة، ويكون بنية حصول الثواب لصاحب المال الأصلي، وسقوط الإثم عن التائب».
المال ملك لصاحبه
ويفصل عالم الشريعة الإسلامية د. عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، فيقول: «التخلص من المال الحرام يكون أولاً برده إلى صاحبه مرة أخرى إن عرف صاحبه، وكان هذا المال قائماً لم يهلك ولم تتغير عينه؛ لأن هذا المال ملك لصاحبه، وآخذه ظالم له بأخذ هذا المال منه من غير وجهه الشرعي.. ودليل وجوب رده على مالكه، ما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه»، وقوله، صلى الله عليه وسلم: «من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به»، فإذا نتج عن هذا المال غلة أو ثمرة أو نحوهما فهو ملك لصاحب المال؛ لأنه تابع له، ومتولد عنه، ونماء له، فيرد إليه مع أصل المال».
ماذا لو ضاع المال الحرام؟
وما الحكم لو أخذ إنسان مالاً حراماً وهلك منه ولم يعد موجوداً؟ يجيب د. إدريس: «إذا أهلك هذا المال أو استهلكه آخذه، وجب عليه رد مثله إن كان له مثل موجود، فإن لم يكن له مثل أو كان من ذوات القيم، وجب رد قيمته على مالكه. وأما إذا تغير المال الحرام تحت يد حائزه تغيراً كاملاً في الاسم والصفات والمنافع، فإن جمهور الفقهاء يرون أن هذا المال المتغير يبقى على ملك صاحبه، ويجب رده إليه كذلك، مع قيمة النقص إن نقص بعد تغييره، فإن زاد بالتغيير لم يكن لآخذه الحصول على مقابل الزيادة من المالك، إلا إذا كان قد أضاف إليه شيئاً مادياً زاد من قيمته، فللآخذ أن يحصل على مقابل ما أضافه، إن لم يمكن فصل هذه الإضافة عن المال، ودليل استحقاق المالك لهذا المال حتى بعد تغيره على هذا النحو، حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به»، وعين مال المالك ما زالت باقية، وإن تغير اسم هذا المال، أو صفاته أو منافعه فيكون أحق به. إلا أن بعض العلماء استثنى من وجوب رد المال الحرام أو بدله إلى صاحبه، ذلك المال الذي يؤخذ من أصحابه مقابل حصولهم على منفعة محرّمة شرعاً، كالمال الذي تأخذه البغي في مقابل الفحش بها، أو الراقصة في مقابل رقصها، أو ما يدفعه شارب المسكر لقاء ما شربه منه؛ إذ يرى هذا الفريق من العلماء أن هذا المال يكون حقاً للمسلمين، ويصرف في مصالحهم بمجرد خروجه من يد مالكه، ولا يجب رده إليه أو رد قيمته؛ لأن مالك المال قد استوفي منفعة محرمة، وهي الزنا بالبغي، والاستمتاع بالرقص، وشرب الخمر، ودفع مقابل ذلك عوضاً محرماً، فاستوفي ما لا يجوز له استيفاؤه، وبذل من المال ما لا يجوز له بذله».
متى يصرف في منافع المسلمين؟
وكيف يتصرف الإنسان لو حصل على مال حرام ولا يعرف صاحبه على وجه التحديد؟ يبين أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر: «إذا جهل مالك الحرام، ولم يمكن معرفته ولا معرفة ورثته، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجب على آخذ المال الحرام التصدق به على الفقراء والمحتاجين، أو صرفه في مصالح المسلمين، كبناء المساجد أو المستشفيات أو المدارس أو دور الأيتام أو نحوها، أو عمارتها».
كما يشدد د. إدريس على ضرورة الاستفادة بهذا المال وعدم إهلاكه: «صرف هذا المال في جهات الخير أولى من التخلص منه بطريق غير شرعي كإحراقه، أو إلقائه في البحر، أو التنازل عنه لمن لا يحتاج إليه؛ لأن التخلص منه على هذا النحو تفويت على حائزه، وتضييع على مالكه، وإهلاك للفائدة التي ترجى منه، وأما إذا وضع في يد فقير أو مسكين أو غارم يدعو لمالكه، حصل للمحتاج سد حاجته، وحصول الأجر للمالك بغير اختياره في الصدقة ثابت، ولا يقال، في هذه الحال، إنه تصدق بمال خبيث؛ لأن هذا إنما يكون إذا كان المتصدق يطلب الأجر على ذلك، إلا أنه لا يطلب الأجر على ما يتصدق به، وإنما يبغي التخلص من المال الحرام الذي حازه إن لم يهتد إلى مالكه ليرده إليه».