29 ديسمبر 2024

متى يحق للزوجة طلب الطلاق لاكتشاف عيوب في زوجها؟

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

في بعض الأحيان، يكتشف أحد الزوجين عيوباً في شريك حياته أخفاها عنه قبل الزواج.. فهل يحق له بعد الزواج طلب فسخ العقد بسبب هذه العيوب؟

كانت طبيبة مصرية شابة قد تقدمت بدعوى لفسخ عقد الزواج لوجود عيب في زوجها يمنعه من القيام بواجباته الزوجية على الوجه المطلوب.. ولا تزال القضية متداولة في محكمة الأسرة.

لا يجوز طلب الطلاق إلا للضرورة القصوى

يقول العالم الأزهري د. شوقي علام، مفتي مصر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر «الأحكام الشرعية تتعلق دائماً بتحقيق المصلحة، ومنع الضرر، فلو كان في أحد الزوجين عيب يقف في طريق المعاشرة الزوجية بشكل دائم، ولا يمكن علاج هذا الخلل، وجبت تلبية طلب الطرف المتضرر بالتفريق بين الزوجين، فلا شك في أن الاستمتاع بين الزوجين مصلحة معتبرة يوليها الشرع ما تستحقه من رعاية، واهتمام. لكن لو كان في تقدير الأطباء أن هذا الضرر يمكن إزالته بعلاج، أو جراحة، كان على الطرف المتضرر الصبر حتى تستنفذ مراحل العلاج، فقد يأتي العلاج بالنتيجة المطلوبة، ونحافظ على كيان الأسرة، فالطلاق أبغض الحلال، ولا يجوز اللجوء إليه إلا عند وجود الضرورة القصوى التي تستدعي ذلك».

وهنا يحث مفتي مصر السابق كل راغب في الزواج على التأكد من قدرته على الوفاء بحقوق الزوجية قبل الإقدام على هذه الخطوة، وهناك مؤشرات- خاصة لدى الرجال- على مدى القدرة على الوفاء بحقوق الزوجة قبل الزواج، ولو كان لدى الرجل مشكلة من هذا النوع فعليه أن يراجع الأطباء المتخصصين قبل التفكير في الزواج.

ماذا عن «الزوج الكذاب»؟

 لجأت زوجة أخرى إلى طلب الطلاق من زوجها بدعوى أنه «كذاب»، ومدمن على الكذب، هل يحق لها طلب التفريق؟

يجيب د. علام «الكذب رذيلة من أقبح الرذائل التي حاربها الإسلام، لما تنطوي عليه من تضليل، وتشويه للحقائق، وإضاعة حقوق الناس، والنصوص الدينية التي ذمّت الكذب، وحذّرت منه، وأنذرت مرتكبيه بالعقاب الشديد، كثيرة ومتنوعة في كتاب الله، وسنة رسوله، صلّى الله عليه وسلّم. لذلك لا ينبغي أن يكون بين الزوجين كذب وتضليل، حيث تزداد حاجة الزوجين في الحياة الأسرية إلى وجود الشفافية والمصارحة بينهما، وصدق كُلِّ طرف منهما مع الآخر في سائر شؤون الحياة وفقاً لما تقتضيه مسؤولية كل واحد منهما في الأسرة».

ويضيف «الشفافية في الحياة الزوجية تعني، بوجه عام، وضوح كل طرف للآخر في مختلف الأمور، حتى يمكن التعرف إلى حقيقته بصورة واضحة، لا لبس فيها، ولا تدليس، ولا خداع.. وقد أكد الشرع الحنيف  ضرورة وجود مبدأ الشفافية والمصارحة بين الزوجين عبر مراحل العلاقة الأسرية، انطلاقاً من قيمة الصدق المفروضة على كل مسلم، ومسلمة، ثم شرع أحكاماً في جزئيات النكاح تحقق هذا المقصد، منها مشروعية الخِطبة بينهما، وإتاحة النظر بين الخاطب والمخطوبة، بما يؤكد العِلم بخلو الرجل والمرأة من العيوب الظاهرة، أو الصفات غير المرغوبة، أو قبول كل طرف للآخر على ما هو عليه في ظاهره؛ كما ورد في نصيحة النبي صلّى الله عليه وسلّم، حين أتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنظرتَ إليها؟» قال: لا. قال: «فَاذْهَبْ فانْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئاً».

كما حثّ الرجل والمرأة عند الخِطبة ووقت التعارف على مصارحة كل منهما الآخر، وعدم التدليس عليه، والتغرير به، بترك التصنع والتظاهر بالتدين والتقوى، أو الصلاح، والجمال، أو بطهارة النسب، ورفعته، أو بالغنى والمقدرة المالية، أو بشرف المهنة والحِرفة، للتأكد من حصول الملاءمة والقبول التام بينهما قبل الشروع في عقد النكاح، وما يليه من تكاليف وحقوق والتزامات متبادلة بين الطرفين؛ رفعاً للضرر الجسيم الذي قد يترتب على الخداع والتدليس، وإخفاء ما يمكن أن يترتب عليه بعد ذلك من نزاع ونفرة بين الطرفين».

وبهذه المعاني تتأكد أهمية وجود الشفافية والمصارحة في العلاقة الزوجية في سائر الأمور؛ باعتبارها من أهم العوامل لضمان نجاح واستقرار هذه العلاقة، فمن دونها تُبنى الحواجز التي تساعد على قطع هذه الرابطة شيئاً فشيئاً، ما ينافي حقيقة تقاسم الزوجين هذه الحياة بحلوها ومرّها، في تعاون لا يعرف الأنانية، ومودة لا تتخللها كراهية، ومصارحة ليس فيها تدليس، أو تغرير؛ فكل واحد منهما بمثابة السكن للآخر، ومحل اطمئنان قلبه؛ كما في قولِه تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». ولا يمكن أن تتحقق المودة والرحمة في حالة وجود كذب وتضليل بين الزوجين.

ونصيحتنا لكل زوجة تكتشف كذب زوجها وإدمانه على الكذب، أن تواصل النصيحة له لكفّه عن هذه الرذيلة لعل الله يتوب عليه، ويستقيم أمره، ويتخلص من سلوك قبيح يجلب له غضب الله، وعقابه، ولا تفكر في الطلاق لأن كذب أحد الزوجين لا يبرر الطلاق.

اقرأ أيضاً: الأزهر يؤكد: الطلاق بلا سبب.. ظلم يرفضه الإسلام