05 يناير 2025

تطلب الطلاق لأن زوجها غير رومانسي.. هل الإهمال العاطفي يستوجب الطلاق؟

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

المشاعر الرقيقة والعبارات الرومانسية سر السعادة الزوجية حتى ولو كانت الأسرة تعاني مشكلات مادية أو تأخرت في الإنجاب لأسباب تتعلق بالزوج أو الزوجة.

لكن بعض الأزواج يعانون «بخل المشاعر» ولا يدركون أهمية «الرعاية العاطفية للزوجة»، فيهملون تدليل زوجاتهم أو تلبية مطالبهن النفسية، وهنا يحدث الشقاق، وتتغير النفوس، وتتسرع بعض الزوجات في طلب الطلاق.. وهو ما حدث مع زوجة مصرية شابة؛ حيث طلبت من زوجها مؤخراً الطلاق للضرر، وبررت ذلك بأنه «لا يدلعها كما يدلع الأزواج زوجاتهم»، فهو وفق تعبيرها (غير رومانسي) ومشغول بعمله أكثر من اهتمامه بها. ولكن، هل هذا مبرر يستوجب الطلاق؟

مجلة كل الأسرة

ليس مبرراً للطلاق

في البداية، يؤكد العالم الأزهري د. شوقي علام، مفتي مصر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن طبائع الرجال تختلف، فهناك من يجيد التغزل في الزوجة وإحاطتها بمشاعر الحب وعبارات الغزل، وهناك من لا يستطيع فعل ذلك لكنه لا يهمل حقوق زوجته المادية والنفسية ويحترم مشاعر وعقل زوجته، ومثل هذا الزوج ينبغي ألا نلومه ونضعه في قفص الاتهام ونطالبه بتقليد من يغدقون على زوجاتهم بمشاعر الحب والحنان.

كل زوجة المفترض أنها تعرفت على طبيعة زوجها وشخصيته قبل الزواج وخلال فترة الخطبة وخلال الشهور الأولى من الزواج

ويضيف: «بعض الأزواج يحاولون كسب ود زوجاتهم لأسباب يعرفها كل منهما وتخص تفاصيل علاقتهما، وهناك أزواج لا يجدون أنفسهم مضطرين لفعل ذلك؛ لأن ما بينهما من مشاعر الحب والتقدير المتبادل ما يغني الزوج عن الإغداق على الزوجة بمشاعر حب مصطنعة. وكل زوجة المفترض أنها تعرفت على طبيعة زوجها وشخصيته قبل الزواج وخلال فترة الخطبة وخلال الشهور الأولى من الزواج، ولذلك لا يجوز مطالبة الزوج بشيء لم يتعود عليه ولا يجد له ما يبرره في ظل علاقة المودة والرحمة بين الزوجين».

ويؤكد د. علام أن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله، ولا يجوز للزوجين اللجوء إليه إلا عندما تصل العلاقة بين الزوجين إلى طريق مسدود، وتفشل كل وسائل وجهود الإصلاح والتوفيق بينهما، وبخل مشاعر الحب بين الزوج وزوجته ليس ضرراً يستدعي طلب الطلاق طالما الزوج يفي بحقوق زوجته، وإن كنا ننصح هنا كل الأزواج برعاية مشاعر الزوجات لحاجة المرأة دائماً إلى إشعارها بالحب والحنان.

ويطالب د. علام كل زوجة بفهم طبيعة زوجها والتعامل بوعي وحكمة بعيداً عن التقليد والجري وراء شعارات ومفاهيم خاطئة لا تحقق مصلحة الأسرة.

مجلة كل الأسرة

رعاية عاطفية متبادلة

كما يؤكد مفتي مصر السابق أن «الرعاية العاطفية» من جملة الحقوق المتبادلة بين الزوجين وتندرج تحت عنوان كبير وهو «المعاشرة بالمعروف» وهي تشمل الزوجين معاً، حتى ولو كان الخطاب القرآني جاء موجهاً للرجال فهو يشمل النساء أيضاً. فالإسلام يقيم العلاقة بين الزوجين على أساس من الحب والتفاهم والاحترام المتبادل، وتوجيهاته في هذا الشأن واضحة، وهناك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث الزوجين على اتباع ما يعمق مشاعر الحب، ويضاعف من المودة والألفة بينهما، وتجنب ما يؤدي إلى البغضاء والكراهية، ويكفي هنا قول الحق سبحانه «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً»، فالعلاقة بين الزوجين هي في حقيقة الأمر علاقة سكن ومودة ورحمة. ويجب أن تظل الرعاية العاطفية للزوجة قائمة حتى ولو وجد الرجل عيوباً في زوجته أو تصرفات لا يرضاها، فمثل هذه التصرفات أو السلوكيات لا تعني أن يكره الرجل زوجته أو يهينها، أو يهمل حقوقها ومن بينها (حق الإعفاف)؛ لأن ذلك يتعارض مع قول الحق سبحانه «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً»، وهذا معناه أن الزوج إذا وجد في زوجته خلقاً يبغضه سيجد فيها آخر يرضاه، وأنها قد تعاب في أمر لكنها تحمد في أمور أخرى، كما تحث الآية الرجال على أن ينظروا إلى ما في زوجاتهم من حسنات ومميزات ولا يقفوا فقط عند النقائص والسلبيات، فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر».

مجلة كل الأسرة

الإشباع العاطفي للزوجة

من جانبها، تبين د. سعاد صالح، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: الإشباع العاطفي حق مشترك بين الزوجين. فالزوج مطالب بإشباع زوجته عاطفياً والزوجة كذلك. إلا أن الزوجة قد تكون في حاجة إلى هذا الإشباع أكثر من الزوج، فالرجل مطالب شرعاً بأن يشبع زوجته عاطفياً؛ لأنها إنسان رقيق المشاعر تتأثر بنظرة زوجها وإهماله لها؛ وقد تتحمل الزوجة الضرب من زوج محب يشبعها عاطفياً؛ من تجاهل زوج لا يشعرها بوجودها في حياته؛ لأن في ذلك إيذاء نفسي لها، وهو أشد عليها من الإيذاء البدني، وقد نهى الإسلام عن كل ما يسبب إهانة للزوجة ويسيء إليها، ولو كان عن طريق نظرة أو كلمة. كذلك نهى الإسلام عما يمارسه الأزواج من شتم وإهانة لفظية للزوجة، بل اعتبر ديننا العظيم حسن معاشرة الزوجة واحترام مشاعرها وحقوقها دليلاً على اكتمال الإيمان، ففي الحديث الشريف قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم».

وتحث د. سعاد صالح الزوجات اللاتي يشكين من إهمال أزواجهن لهن على التحلي بالصبر والحكمة، وأن يبحثن في تفاصيل العلاقة بأزواجهن، فقد تكون الزوجة هي السبب في هذا الإهمال المتعمد من الزوج، والزوجة الواعية هي التي تعرف كيف تشغل زوجها بها طوال الوقت عن طريق الاهتمام بنظافتها وأناقتها وإدارة الحوار العاطفي معه وتحريك مشاعره تجاهها بكل ما هو مباح، وكل هذه أمور حث عليها الإسلام لتحقيق الاستقرار الأسري وتوثيق عرى المودة والرحمة بين الزوجين.

مجلة كل الأسرة

الزوج يتحمل أكثر

كما تؤكد أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر، أن الزوج يتحمل أكثر مسؤولية الإهمال العاطفي: «الأزواج يتحملون المسؤولية الأكبر في مشكلة الإهمال العاطفي وتداعياته على الأسرة والمجتمع. وإذا كان من حق الرجل أن يعدد زوجاته إذا لم يجد مبتغاه مع زوجته في الفراش، فليس أمام الزوجة إلا وسيلة واحدة وهي زوجها الشرعي الوحيد لتصريف غريزتها الجنسية؛ ولذلك يتقدم حقها في الإعفاف حق الزوج حتى توفر لها علاقتها الزوجية السكن النفسي والإشباع العاطفي الذي تتطلع إليه كل امرأة من خلال الزواج، حتى نعصم المرأة من الانحراف عن طريق كفالة حقها في إشباع رغباتها الجنسية بطريق مشروع، فكما أن للزوج حقاً في معاشرة زوجته وقضاء حاجته منها، فهي كذلك لها حق في معاشرته وقضاء حاجتها منه، وقد تكون المرأة أكثر حاجة لهذا الأمر».

من هنا كان اهتمام الإسلام بالانسجام النفسي بين الزوجين، وهذا يتطلب أن تكون الزوجة قريبة من زوجها، فإذا ما تحركت الغريزة الجنسية عند واحد منهما وجد شريك حياته إلى جانبه يلبي رغبته فيستريح الطرفان، ولذلك قال فقهاء الإسلام بعدم جواز هجر الزوج فراش زوجته لقهرها نفسياً، بل قال بعض الفقهاء بعدم جواز سفر الزوج للعمل أو الدراسة خارج الوطن إلا بموافقة زوجته أو استرضائها على ذلك.

فتوجيهات الإسلام للزوج، كما تقول د. سعاد صالح، أن تكون الزوجة إلى جواره تلبّي له رغبته وقت الحاجة ويشبع حاجتها ويزيل عنها بعض هموم الحياة، فالحياة الزوجية ليست طعاماً وشراباً وحياة مادية رغدة، لكنها في الأساس حياة نفسية عاطفية توفر للطرفين حياة مستقرة سعيدة.

مجلة كل الأسرة

الحقوق النفسية والعاطفية واجبة

وفي هذا الصدد أيضاً، يؤكد د. صبري عبد الرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن كل زوج يهمل حقوق زوجته العاطفية وينشغل عنها ويقصر في واجباته تجاهها أو يستخدم معها أساليب قهر نفسي بحرمانها من أهم حقوقها فهو آثم شرعاً، ويضيف: «الإسلام كفل للمرأة حياة مستقرة نفسياً ومادياً في بيت الزوجية، ولا يمكن الاهتمام بجانب واحد من هذين الجانبين على حساب الآخر، فمن يوفر لزوجته متطلباتها المادية والمعيشية وفق المستوى الذي ترتضيه ويهمل حقوقها النفسية أو العاطفية لم يستوفِها حقها وفق شريعة الإسلام».

ويوضح أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر، أن حق الزوجة في الفراش من أهم حقوقها الشرعية التي لا يجوز إهمالها؛ لأن هذا الحق يتوقف عليه حماية المجتمع الإسلامي من كل أشكال العبث الأخلاقي التي تعانيها بعض المجتمعات، والتي تسرّبت إليها بسبب ضعف الإيمان والتربية غير الإسلامية للأجيال الجديدة من المسلمين من رجال ونساء.

لا شيء يستحق أن يعيش الرجل وزوجته حياة حرمان من أجله، فشياطين الجن والإنس تتلاعب بالطرفين وتزين لهما المعصية

ويقول: «لا شك أن الحرمان من هذا الحق يؤدي إلى مفاسد كثيرة، وقد دفع نسوة إلى الوقوع في براثن جرائم أخلاقية خطرة، مثل جريمة الزنا وهي جريمة واجهها الإسلام بوسائل عديدة، نظراً لمخاطرها الدينية والأخلاقية والصحية والاجتماعية، فحث على الزواج ورغّب فيه، باعتباره أسلم طريقة لتصريف الغريزة الجنسية، وهو الوسيلة المثلى لإخراج سلالة يقوم على تربيتها الزوجان ويتعهدانها بالرعاية، وكل من يعمل بتوجيهات وتعاليم شريعة الإسلام ويتزوج ويعف نفسه بالحلال، فهو ينجو بدينه ويضمن استقامة دنياه، ومن يرفض الاستجابة لنداء الحق ويسلم نفسه للشيطان، ويعبث بالأعراض، فهو يجلب لنفسه غضب الله وعقابه».

ويشدد د. عبد الرؤوف على أن الإسلام في توجيهاته يراعي المشاعر الإنسانية والغريزة البشرية لكل من الزوج والزوجة، وعلينا أن نتأمل قصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فقد تجول ليلاً لتفقد أحوال رعيته فسمع زوجة تنشد شعراً تشكو فيه فراق زوجها وبعده عنها لخروجه مع المجاهدين، وتضمّن شعرها تمسكها بدينها وبوفائها لزوجها، ولولا ذلك لهان عليها بعده وبحثت عن آخر يؤنسها في غيبته، فرقّ قلب عمر لحالها وقرر لكل غائب أمداً يعود بعده إلى أهله.

من هنا يدين د. صبري عبد الرؤوف سلوك كل زوج يسافر للعمل أو الدراسة وينقطع عن زوجته فترة طويلة، ويقول: «لا شيء يستحق أن يعيش الرجل وزوجته حياة حرمان من أجله، فشياطين الجن والإنس تتلاعب بالطرفين وتزين لهما المعصية، وفي واقع الحياة مصائب ومآسٍ عديدة بسبب سفر الأزواج وبعدهم لفترات طويلة عن زوجاتهم، وإذا كانت بعض وقائع الانحراف قد تكشفت، فقد سترها الله في مواقف وأحوال كثيرة».

مجلة كل الأسرة

نصيحة للأزواج

وختاماً، يقدم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، نصيحة لكل الأزواج لتوثيق علاقتهم بزوجاتهم، مبيناً: «من الحقوق التي يجب على الرجل لزوجته «حسن معاشرتها»؛ إذ إن أول ما يجب عليه إكرامها، ومعاملتها بالمعروف، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها بما يؤلف قلبها فضلاً عن تحمل ما يصدر منها، أو الصبر عليها».

ويضيف: «من مظاهر اكتمال الخلق أن يكون المرء رقيقاً مع زوجته، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم»، وإكرام المرأة ورعايتها عاطفياً دليل الشخصية المتكاملة، ومعاملتها بجفاء أو قسوة أو إهانتها علامة خسة ولؤم، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم»، ومن إكرامها التلطف معها ومداعبتها، فقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يتلطف مع عائشة، رضي الله عنها، فيسابقها، تقول: سابقني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسبقته، فلبثنا حتى إذا أرهقتني اللحم سابقني فسبقني، فقال «هذه بتلك».

والمرأة لا يتصور فيها الكمال، وعلى الإنسان أن يتقبلها على ما هي عليه، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج».

اقرأ أيضاً:
- لا تستسلموا للملل الزوجي.. 4 نصائح لاستعادة الرومانسية
- بعد الزواج .. أين يختفي الغزل؟ ولماذا ننسى لغة الحب؟