19 فبراير 2025

شيخ الأزهر: للعين واللسان واليد.. صوم

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

كثيرون يخيّل إليهم أن الصوم يكفي فيه الامتناع عن الطعام والشراب، وما إليهما من الغرائز والشهوات، ولذلك يطلقون العنان لجوارحهم لكي تطارد الآخرين في رمضان بما يسيء إليهم، أو يهدر كرامتهم، أو يقتحم خصوصياتهم.. فهل هذه السلوكات يقبلها الإسلام من الصائم؟

الكفّ عن محارم الله

بداية، يصف الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر، سلوكات هؤلاء الناس في رمضان بـ«السلوكات المعيبة» التي تهدر الكثير من أجر وثواب الصوم.. ويقول «الصوم المقبول هو الذي يضبط سلوك الإنسانـ بحيث لا يصدر عنه ما يغضب الله، ورسوله، أو يجلب له الإثم طوال هذا الشهر الكريم. ومن هنا قال العلماء: «للعين واللسان واليد صوم»، وكل من يرجو خالقه في رمضان، والخروج من هذا الشهر الفضيل بأعظم المكاسب؛ عليه الكفّ عن محارم الله، وهي كثيرة، وتشمل النظرة الآثمة، واستباحة الكذب، وقول الزور، والسخرية من الناس، وسماع الغيبة والنميمة، وترويج الأكاذيب، وإيذاء الآخر باللسان واليد.. يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه».

ومعنى الصوم في الإسلام أوسع وأشمل بكثير من مجرّد الامتناع عن الطعام والشراب، وباقي المفطرات، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به، فليس للهِ حاجة أن يَدَعَ طعامه وشرابه»، ويقول:«رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ»، وهذا يعني أن فلسفة الصوم في رمضان تتمثل في التدريب على الاستغناء، والاعتلاء، وامتلاك الإرادة، والقدرة على الترك، والتحرر من عبودية الشيطان، والنفس، والهوى، إنها في كلمة مختصرة «تقوى الله في السّر والعَلن».

محظورات أخلاقية

ما حكم الإسلام في من يصومون رمضان، ولكنهم يسيئون للآخرين، ويتطاولون على بعض الناس بالسب والأذى؟

تجيب دار الإفتاء المصرية «ينبغي أن تتجسد في سلوكات الصائم قيم وأخلاقيات الإسلام، وأن تكون سلوكاته متناسقة مع الحكمة من صيام رمضان، فيبتعد عن الخصام والشقاق، وقطع صلة الأرحام، ويلزم نفسه الطريق المستقيم الذي ينتهي به إلى إرضاء الله عز وجل، ليكون جزاؤه عند الله تعالى: قبولَ صيامه، والحصول على ثوابه. وهنا يلزم المسلم أن يوجه سلوكه إلى فعل الخير، والبعد عن الشر، بمعنى أن تكون أقواله وأعماله كلها تتفق مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية، من التسامح، والتواضع، وحب الخير لكل الناس، وبذل الجهد والعطاء. وعموماً، فإن سلوكات المسلم يجب أن تكون تبعاً لما جاء به كتاب الله، وسنّة رسوله، صلّى الله عليه وسلّم، اقتداء برسول الله صلوات الله وسلامه عليه، إذ لم يكن رسولنا العظيم سبّاباً، ولا شتّاماً، ولا مؤذياً لأحد، لا في رمضان، ولا غير رمضان».

مجلة كل الأسرة

الغيبة والنميمة.. في رمضان

وما موقف الإسلام من جلسات الغيبة والنميمة في رمضان، بخاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؟

تبيّن د. فتحية الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر «الغيبة والنميمة من الخصال السيئة التي حذر منها الإسلام، سواء أكانت في رمضان، أو غير رمضان.. والصائم الذي ينشد كامل الأجر والثواب يجب أن يبتعد عن هذه الخصال السيئة، وأن يتجنب الكذب، والحسد، والغيرة، المذمومة، وأن يلتزم بالأخلاق الفاضلة في تعامله مع كل خلق الله».

كما يوضح د.أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر «لا يكون الصائم كامل الصوم، مقبولاً عند ربه سبحانه وتعالى إلا إذا صام صوماً حقيقياً وتامّاً، بأن يكفّ جوارحه وشهواته عن كل ما حرّم الله، وأن يمتنع عن المفطرات، وعن المعاصي، ما ظهر منها، وما بطن، ويمتنع عن قول الزور، والعمل به، يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، والمراد بقول الزور: الكذب.

والذي يكفّ عن الطعام والشراب فيجوع ويعطش، ولكنه لا يكفّ عن الغيبة، أو قول الزور، أو العمل به، ولا يحفظ جوارحه عن الآثام، أو يصوم ويفطر على الحرام، أو على لحوم الناس بالغيبة، ونحوها، هذا الإنسان لا يجني من صيامه إلا الجوع والعطش، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش»، وقد قال النبي، صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان وعرف حدوده وتحفّظ ممّا ينبغي له أن يتحفظ منه كفَّر ما قبله»، وقال صلى الله عليه وسلم:«إذا صمت فليصُم سمعك، وبصرك، ولسانك، ويدك».

والخلاصة أن الصيام مع هذه الضوابط يكون كاملاً مقبولاً، يتكفل الله سبحانه وتعالى بجزاء الصائمين كما جاء في الحديث: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به».

فالصيام أمانة يجب على المؤمن أن يؤديها على أكمل وجه، وأتمّه، وأن يصون صيامه من كل ما يبطله، أو ينقص ثوابه، وأن يتحاشى قول الزور والعمل به، وأن يتخلى عن الرذائل، ويتحلى بالفضائل؛ ليستحق أن يتكفل الله بجزائه، وأن يثمر صيامه أعظم الثمرات».