من رحمة الله بعباده أنه لم يفرض الصيام على غير القادرين عليه، بل فرضه على الإنسان الصحيح المقيم القادر عليه، والذي لا تلحقه فيه مشقة غير محتملة، ومن ثم أسقطه الله عن المريض، والمسافر، والشيخ الهرم، صاحب السنّ المتقدم في العمر، كما أعفى الشرع الحكيم الحامل، والمرضع، إن تضررتا، أو تضرر الجنين، والطفل، بسبب صوم الأم، قال تعالى: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين»، وقال الحكيم الخبير "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر». ولكن هناك الكثير من المرضى يصرّون على الصوم طمعاً في الأجر.
العالم الأزهري د. نظير عياد، مفتي مصر، يوضح لنا هنا الأحكام الشرعية المتعلقة بصوم المرضى:
من هو المريض الذي يعفى من صوم شهر رمضان؟
كل من يعاني مرضاً لا يستطيع معه الصوم من دون ضرر مطالب شرعاً بالفطر في رمضان، فدين الله يُسر لا عسر، وعلى المسلم أن يستفيد من الرّخص الشرعية التي أرادها الله رحمة به، وحفظاً لبدنه، فحفظ النفس مطلب شرعي.
وما المطلوب شرعاً من المريض الذي يفطر في رمضان لعدم القدرة على الصوم؟
المرض الذي يبيح الفطر في رمضان نوعان:
الأول: مرض مزمن لا يرجى الشفاء منه، وفي هذه الحالة يكون المريض الفاطر في رمضان مطالباً بالفدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم يفطر فيه.. فهؤلاء أصحاب أعذار دائمة، وينطبق هذا الحكم على الشيخ الكبير الذي أعجزه كبر سنّه عن الصوم.. ومقدار فدية الفطر في رمضان عن اليوم الواحد ما تتكلفه وجبتا الإفطار والسحور، بحسب المعتاد في كل بلد.
الثاني: مرض عارض يرجى الشفاء منه، وهؤلاء لا يجب عليهم إلا القضاء فقط، عندما تتحسن ظروفهم الصحية.
ماذا يفعل أهل المريض الذي أفطر بعض أيام رمضان لمرض طارئ ثم توفاه الله؟
لا شيء سوى الدعاء له، والتصدّق عنه، فكل عمل خير باسم الميّت يصل إليه أجره، إن شاء الله.. وهذا المريض الذي أفطر بعض أيام رمضان لعذره المرضي، ولم يدرك الأيام الأخرى في حالة صحية تسمح له بالصوم، يعفو الله عنه، وهذا يختلف عن الذي يفطر في رمضان من دون عذر، حيث تظل كفارة الصوم معلقة برقبته، ونوصي أسرته بإخراجها، لو كان لديها علم بذلك.
كثير من المرضى لا يعرفون متى يصومون ومتى يفطرون.. بماذا تنصحونهم؟
إذا مرض الصائم وخاف زيادة المرض بالصوم، أو خاف تأخر الشفاء من المرض، أو حصلت له مشقة شديدة بسبب المرض فإنه يجوز له الفطر، باتفاق معظم الأئمة.
أما إذا غلب على ظنّ الصائم الهلاك، أو الضرر الشديد بسبب الصوم، كما إذا خاف تعطيل حاسّة من حواسه، فيجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم، باتفاق الفقهاء.
والذي نراه أن الله تعالى أباح الفطر في رمضان في حالة المرض مظنّة المشقة والحرج، وعلى المسلم أن يقدّر حال نفسه، فإذا أيقن، أو غلب على ظنه أن مرضه في الصوم ليس معه مشقة، أو عسر، صام امتثالاً لقوله تعالى: «وأن تصوموا خير لكم»، وإذا أيقن، أو غلب على ظنه أن مرضه يجعل الصوم شاقاً عليه أفطر، استجابة لقوله سبحانه: «يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العسر»، فالمسألة ترجع إلى ضمير الفرد، ونيته، واستفتاء قلبه.
وإذا أُصيب الإنسان بمرض مفاجئ في شهر رمضان.. ماذا يفعل؟
هذا المريض حكمه يختلف باختلاف حالته؛ فإن كانت حالته لا يستطيع معها الصوم حتى آخر اليوم، بأن كان الصوم يضرّ بصحته، فيباح له في هذه الحالة الفطر، إلى أن يتم شفاؤه، ويجب عليه قضاء الأيام التي أفطر فيها في وقت آخر، قال تعالى: «وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر».. أما إذا كان إفطاره لا يعود عليه بالنفع في صحته بحيث لا يُساعده على التعافي من هذا المرض، بل يستطيع معه الصوم، فلا يجوز له الإفطار، وهذا يتقرر بحسب تقدير الطبيب الثقة.
بعض المرضى لا يستجيبون لنصائح الأطباء بالإفطار في رمضان ويصرون على الصوم.. ماذا تقولون لهؤلاء؟
أولاً.. نثمن مشاعر هؤلاء المرضى، وحرصهم على أداء عبادة الصوم طمعاً في الأجر والثواب؛ فعطاء الصوم كبير، وثوابه عظيم.. لكننا ننصحهم بالاستجابة لنصائح الأطباء المتخصصين في أمراضهم، وطالما الطبيب ثقة، ونحسبه من أهل التقوى والعلم؛ فينبغي الاستجابة له، والعمل بنصيحته.. ونسأل الله الهداية والتوفيق للجميع.