16 مارس 2025

العدل في العطاء بين الأبناء.. متى يجوز تخصيص أحدهم بالوصية؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يثير موضوع توزيع الأموال بين الأبناء في حياة الوالد، أو تخصيص أحدهم بجزء من التركة، جدلاً واسعاً خصوصاً مع اختلاف الظروف والحاجات، فيما تؤكد الفتاوى أن الأصل في الإسلام هو العدل بين الأبناء في العطايا. فهل يجوز للأب أن يكتب وصية لأحد أبنائه من دون الآخرين؟ وما الحالات التي يجيز فيها الشرع ذلك؟

عن الحكم الشرعي في تخصيص جزء من الإرث لأحد الأبناء من دون الآخرين، يجيبنا الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد، كبير مفتين ومدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي «الإرث لا يكون إلا بعد الوفاة، أما في حال الحياة فما يقدمه المرء لبعض ورثته فهو هِبة وعطاء، وهنا ينبغي أن يكون عادلاً بين أبنائه، وبناته، فيعطيهم على السواء، لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم، عندما قال لبشير والد النعمان، رضي الله عنهما «أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟» قال: لا، قال: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».

وهل يجوز للوالد التصرف في أمواله قبل وفاته كما يشاء؟

«للوالد حرية التصرف في أمواله كما يرى لنفسه من مصلحة دينية، أو أخروية، أو دنيوية، فهو حر يتصرف في ماله بطرق الحلال كما يشاء، فإن كان التصرف في ماله عطاء لأولاده فينبغي العدل بينهم، الذكر والأنثى سواء، لأن هذا ليس ميراثاً، ويجوز أن يفاضل بينهم في إحدى الحالتين:

  • الأولى، أن يكون بعضهم أشد حاجة والآخرون ميسورين، فيجوز أن يخصّ المحتاج بشيء يسدّ حاجته.
  • الثانية، أن يكون بعضهم بارّاً به، محسناً له، والآخرون مقصرين معه، فيجوز أن يكافئ البار المحسن، ويخصه بعطاء بشيء زائد عن غيره».
مجلة كل الأسرة

وما هي الحالات التي يجيز فيها الشرع تخصيص أحد الأبناء بجزء من التركة؟ وما حدود هذه الوصية؟

«الوصية لا تصح لوارث، لأن له من التركة ما تغنيه عن الوصية، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية»، فإن أراد أن يعطيه في حياته لسبب شرعي من زيادة بِر، أو كثرة حاجة، فليكن عطاء في حال الحياة».

وماذا عن أهم الإرشادات الشرعية التي ينبغي أن يلتزم بها الأب عند توزيع أمواله في حياته؟

«لا ينبغي للمرء أن يوزع أمواله في حياته، بل أن يبقي ماله بيده ليصرفه في حاجاته، أو في الخير، أو المباح، وما بقي منه يتركه ميراثاً يقسم بين ورثته بحسب تقسيم الله تعالى له، فإن فعل ذلك فإنه قد يحتاج، وقد يتنكر له من كان يظن فيه خيراً، وعندئذ قد لا يستطيع استرداد ما وهبه لأولاده لخروجه من أيديهم أو نحو ذلك.

وعموماً فإن جازف وفعل فإنه ينبغي له أن يسوّي بين أولاده في العطاء، الذكر والأنثى سواء؛ لأن هذه هِبة وليست ميراثاً، فهذا هو مفهوم التسوية بين الأولاد الذي دل عليه حديث النعمان بن بشير، رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سوّوا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسوّى بينكم في البر»، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً لفضلت النساء».

متى يمكن اعتبار الوصية غير شرعية وظالمة؟

«تكون الوصية غير شرعية إذا أوصى لوارث، أو أوصى بكل ماله، أو بأكثر من الثلث؛ فإن أوصى لوارث لم تجز، وإن أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث لم تجز الزيادة عن الثلث أيضاً، لأن الوصية لغير الوارث لا تجوز إلا في حدود الثلث مما يتركه المرء بعد حياته، فهذا ما أذن به الشارع الحكيم، لقوله صلّى الله عليه وسلّم «الثلث، والثلث كثير أو كبير»، فإن أوصى بأكثر من ذلك لم تجز الزيادة قضاء، إلا إذا أجازها الورثة».