كثرت الأيمان الكاذبة على لسان بعض الناس من دون إدراك لمخاطرها، وتداعياتها على علاقتهم بدينهم، وعلاقتهم بمن يحلفون عليهم من أفراد أسرهم، بخاصة زوجاتهم.
والواقع أن الجهل بالأحكام الشرعية ومخاطر وتداعيات الحلف الكاذب، يوقع كثيراً من الناس- رجالاً ونساء- في الإثم، فضلاً عن تحريم علاقتهم بأزواجهم، بخاصة في ظل استهتار البعض بأيمان الطلاق، وترديدهم لها في تعاملاتهم اليومية، من دون خوف، أو خجل.
فماذا تحمل لنا الشريعة الإسلامية من محاذير وضوابط عن الأيمان التي يردّدها الناس طوال اليوم؟ وما هي أنواعها؟ وما كفّارتها؟ وكيف يتخلص المسلم من تداعياتها، ويكفّ عن ترديدها؟ وما حكم من يحلفون بغير الله عز وجل؟
لا تحلف
في البداية، سألنا عالم الشريعة الإسلامية د. عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر، عن موقف الشرع من الأيمان عموماً، وكيف ينظر إلى كثرة الحلف من دون وجود ما يستدعي ذلك، فقال «كثرة الحلف بالله، أو بغير الله، من الآفات التي انتشرت في حياة المسلمين، حيث يستهتر بعض الناس بـ«اليمين»، ويردّد الأيمان من دون داع، والله سبحانه وتعالى يقول: «ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبرّوا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم»، ويحلفون بغير الله، مع أن هذا الحلف حرام، ومنهي عنه شرعاً، حيث جاء النهي عن ذلك واضحاً صريحاً.. يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليذر»،وفي رواية أخرى «أو ليصمت». من هنا لا يجوز للمسلم أن يحلف بأيّ شيء آخر، غير الله، حتى ولو كان الحلف بالكعبة، أو بالنبيّ، لكن يجوز أن يقول المسلم في حلفه «وربّ الكعبة».
ولذلك، فإن ما يتردد من أيمان على ألسنة الناس يومياً، مثل الحلف بالأب، أو بالابن، أو بالشرف، أو بغير ذلك، أمر مخالف للشرع، ويجلب لفاعله غضب الله، وعقابه، ويدخله في دائرة الإثم».
أنواع الحلف
وما التوصيف الشرعي للأيمان؟ يوضح د. شومان «الأيمان التي تتردّد على ألسنة الناس ثلاثة أنواع، هي:
- يمين اللغو، وهو أن يجري اسم الله على لسان الإنسان من دون أن يقصد الحلف، مثل قوله: (بالله تفضل عندنا– والله لتأكلن هذه)، والذي يردّد مثل هذه العبارات لا يقصد يميناً، ولا قسَماً، وإنما تعوّد ترديد مثل هذه العبارات كنوع من مجاملة الناس، أو الاحتفاء بهم. ويمين اللغو ليس فيه إثم.. والله عز وجل يقول: «لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان».
- يمين الغموس، وهي التي يحلف فيها الإنسان متعمدا الكذب، كأن يقول: «والله ما قلت هذا الكلام»، وأن يكون قد قاله. وقد سُميت هذه اليمين بـ«الغموس» لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم.. وقد سمّاها بعض العلماء بـ«اليمين الفاجرة».
- اليمين المنعقدة، وهي أن يحلف الإنسان في أمر مستقبل في أن يفعل كذا، أو لا يفعل كذا، ثم يحنث في يمينه، أي يفعل ما حلف على عدم إتيانه.
توبة صادقة.. وكفّارة
وكيف يكفّر المسلم عن يمينه الكاذبة؟
يقول مركز الأزهر العالمي للفتوى «يجب على من وقع في هذا الذنب العظيم- وهو الحلف بالله كذباً- أن يبادر إلى التوبة النصوح، والعزم على عدم العَودة إليه مرة أخرى، وتسمى هذه اليمين باليمين الكاذبة، والفاجرة، والغموس أي: التي تغمس صاحبها في الإثم والنار؛ وقد قال فيها سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم : «مَن حَلَفَ علَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بهَا مَالاً وهو فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وهو عليه غَضْبَان» ولا كفارة لليمين الغموس عند جمهور الفقهاء؛ بل تلزم لها توبة صادقة، وتتلخص في «ترك الذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه، وردّ الحقوق لأصحابها»؛ لما ورد فيها من وعيد شديد؛ غير أن فقهاء الشافعية أوجبوا فيها كفارة يمين مع التوبة، والجمع بين التوبة والكفارة أحوط، وأسلم. والكفارة: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يستطع فصام ثلاثة أيام.
حيث يقول الخالق سبحانه: «لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون».
فالآية الكريمة تفصل وسائل التكفير عن اليمين المنعقدة، فالمطلوب من الحالف أن يفعل واحداً من أمور ثلاثة:
- إطعام المساكين بأن يغديهم ويعشيهم، وجبتين كاملتين إلى درجة التشبع، من أوسط ما يطعم الحالف أهله.
- أو يمنح كل واحد من العشرة نصف صاع من بر، أو تمر، ونحوها.
- أو يدفع قيمة الطعام إلى المساكين نقداً.
وأي من هذه الطرق تيسّر للمسلم أخذ به.. لكن الطريقة الأولى – وهي إطعام المساكين العشرة- هي الأفضل كما قال معظم العلماء».
وما الحكم إذا تكرر الحلف على أمر واحد؟ وهل يجوز تأجيل كفارة اليمين؟
«إذا تكرر الحلف على محلوف عليه واحدٍ كفت عنه كفارة واحدة، أما إن تعدّدت الأيمان على أفعال مختلفة؛ لزم التكفير عن كل يمين منها بكفارة مستقلة، إذا حنث فيها جميعاً. وكفارة اليمين واجبة على الفور، ولا يجوز تأخيرها إلا عند العجز عن الوفاء بها فوراً».