28 أكتوبر 2024

استعادة لفيلم «النهر».. المخرج غسان سلهب والغموض المقصود

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

عندما حقق المخرج اللبناني غسان سلهب، أول أفلامه «شبح بيروت» (1998)، تبدّت قدرته على الإتيان بإضافة على المواضيع المطروحة في إطار تلك السينما. أفلامه التالية تفاوتت، وآخرها هذا الفيلم «النهر» - لبنان، فرنسا (2021).

مجلة كل الأسرة

يتبدّى «النهر»، حين مقارنته بأفلام المخرج اللبناني غسان سلهب السابقة، بأنه الفيلم الأقل نجاحاً في التعبير عن فكرته، خصوصاً حيال الجزأين السابقين من هذه الثلاثية، وهما «الجبل» (2010)، و«الوادي» (2014).

«النهر» يريد أن يتحدث عن أشياء كثيرة. عن العاطفة، والحب، والقرب والبعد، والحياة في كنف وضع سياسي، نسمعه ولا نراه، وعن استمرارية الطبيعة في مقابل تلك القصيرة للإنسان. لكن الفيلم كان بحاجة إلى شيء واحد محدّد، قد تنبثق عنه الأشياء الأخرى. من بدايته هو عن اثنين، لا ثالث لهما (باستثناء لقطة لنادل في مطعم ينظف طاولة في عمق الشاشة)، جالسَين في مواجهة بعضهما بعضاً في مطعم فوق جبل. هناك ضجيج لعائلة لا نراها تنسحب بعد قليل تاركة المكان. شخصيتا الفيلم لا تتحدثان سوى ببضع عبارات تُنطق بلا حوار. يتوجه الرجل (علي سليمان)، إلى سيارته، وينتظر المرأة (يُمنى مروان) للانضمام إليه. حين لا تفعل، يترك السيارة ويسير بلا اتجاه معيّن بحثاً عنها. يهبط تلالاً، ويصعد أخرى، وفي الدقيقة الـ19، يظهر عنوان الفيلم من لا مكان. لا يترك هذا الظهور أيّ أثر فعلي. هو ليس مرتبطاً بتوقيت لابدّ منه، ولا هو ميزة فنية من أي نوع.

مجلة كل الأسرة

الرمزية هي أيضاً في شؤون كثيرة هنا: في البريّة التي يكتشفانها، في الطائرات الحربية الهادرة فوقهما، في الكلب الذي يتبعهما، في النهر ذاته الذي يصلان إليه في الفصل الأخير من الفيلم. لكن معظم هذه الرمزيات هي حمولة فوق حكاية لا أحداث فيها. هناك جمال في المشاهد المصوّرة. جمال لغزي موظف جيداً، لكن الغموض يغطي كل شيء، ويبدو أنه مقصود بذاته، ولا يفضي إلى مفهوم كبير، أو إلى قضية محدّدة. يبدو المخرج مأخوذاً بفكرة تقديم عمل لا أحداث فيه، بل مفارقات متباعدة. تصوير البطلين من الخلف وهما يسيران، لا يؤلف وجهة نظر، والكثير ممّا نراه يمرّ ضمن حالة ترقب لا تفضي إلى شيء.