دائماً ما نشعر بأن هناك قوة خفية تكمن وراء القطع الفنية، تترجمها فرشاة الألوان، وتعكس ما تحمل في طيّاتها من معان ومشاعر، احتضنتها، أخيراً، أمسيات «ليالي الفن» في مركز دبي المالي العالمي، حيث ينطلق عشاق الفن في رحلة استكشافية فريدة من نوعها، عبر هذا المعرض الفني الضخم، الذي يلتقي فيه الفنانون والجمهور في احتفال بالجمال، والإبداع.
انطلقت، أخيراً، النسخة الثامنة عشرة من أمسيات «ليالي الفن»، في قرية البوابة، بالتعاون مع كريستيز، وهيئة الثقافة والفنون في دبي، ومركز الجليلة لثقافة الطفل، ومركز تشكيل، وشركة «برينسيبل كونسلتانتز». وتأتي هذه النسخة احتفالاً بالذكرى العشرين لتأسيس مركز دبي المالي العالمي، وتتضمن عروضاً فنية عامة، وجلسات حوارية حصرية ملهمة، وعروض أداء فني، وأعمالاً تركيبية فنية حيّة، وورش عمل عائلية تفاعلية، فضلاً عن العروض الموسيقية الترفيهية، حيث التقت «كل الأسرة» عدداً من الفنانين الشباب الذين حملت أعمالهم رسائل، فنية ومجتمعية، وتحدثوا عن تجاربهم الإبداعية في عالم الفن.
قطعة فنية نادرة
في بداية حديثه، سلّط الفنان السوري، مصطفى حامد، الضوء على مشاعره تجاه الإمارات، التي يشعر بأنها بلده الأول، وليس الثاني، والتي أتاحت له الفرصة لتنمية موهبته، واحتضانها المواهب الإبداعية من كل الفئات. كما استعرض العمل الفني المشارك في الفعالية، وهو عبارة طاولة مستلهمة من زيارته لجزيرة بالي بإندونيسيا، قائلاً «منذ الزيارة الأولى لي عشقت بالي، لجمال طبيعتها، وغاباتها، وشلالاتها، وأحببت بساطة أهلها، والهدوء والسلام هناك، فقررت أن أصنع بالي صغيرة بقطعة خشبية صغيرة، استغرق تنفيذها سنة كاملة، من العمل والجهد، فخشب الماهوغاني النادر جداً، موجود، بقلّة، في أمريكا، حيث قمنا باستيراد القطعة الخشبية المتينة التي لا تتأثر بأيّ تغيرات مناخية، وشاركنا بها اليوم، كي يستمتع الناس بجمالها، لأنها هي القطعة الوحيدة في العالم، ومن المستحيل إيجاد مثيل لها».
عوالم فنية جديدة
يحاول الفنان محمد خوري ترجمة لغة فنية عالمية تجسد وجهَي الحياة، وأوضح أن البعض يجد رسوماته غريبة، لكنها في الحقيقة تعكس تطوّرنا المستمر، وتنوّع ثقافتنا «أنا لا أرسم الواقع كما هو، بل أرسم رؤيتي الخاصة له. ألعب بالألوان والأشكال، وأخلق عوالم جديدة مملوءة بالرمزية والمعنى. قد لا يفهم الجميع رسوماتي في البداية، ولكن هذا لا يزعجني. الفن الحقيقي هو لغة عالمية تتجاوز الحواجز، اللغوية والثقافية. أنا أؤمن بأن رسوماتي ستجد صدى في قلوب من يبحثون عن شيء مختلف، شيء يتحدى التوقعات».
تعزيز الهوية الوطنية
أما الفنانة فريال البستكي فترى أن الفن والموضة وجهان لعملة واحدة، وتعبّر من خلالهما عن هوية الإمارات ثقافة «أرسم أعمالي التي تعزز تراث الإمارات، وتبرز جماله، وانتقلت لدمج رسوماتي في تصاميم أزياء خاصة بي، أهدف إلى خلق تجربة فريدة تجمع بين الجمال والأصالة. وأنا أستوحي إلهامي من تراثنا العريق، ومن جمال طبيعة الإمارات، وأسعى من خلال أعمالي إلى إبراز هويتنا الوطنية بطريقة عصرية، ومبتكرة. فالفن ليس مجرد لوحة معلقة على الحائط، بل هو جزء من حياتنا اليومية، ونحن نسعى من خلاله إلى التعبير عن أنفسنا، وعمّا نحبه. ومن خلال دمج العناصر التقليدية باللمسات العصرية، أهدف إلى خلق هوية إماراتية، عصرية ومبتكرة».
استشراف المستقبل
المهندسة والفنانة التشكيلية ضحى أحمد الحلامي، وجدت في الفن التشكيلي وسيلة للتعبير عن مشاعرها وأفكارها بطرق مبتكرة، وإبداعية، وتسعى من خلال أعمالها الفنية إلى التواصل مع الآخرين، وإيصال رسائل تعكس رؤيتها وتجربتها الشخصية «هذه المرة الأولى التي أشارك فيها في فعالية «ليالي الفن»، كمنصة مهمة للتواصل مع جمهور متنوع من عشاق الفن والمبدعين، وأعتبرها خطوة قيّمة لدعم مسيرتي الفنية. ويرمز مشروعي الفني إلى استشراف المستقبل والطموح الذي يحمله مركز دبي المالي العالمي في مسيرته المستمرة، حيث يحتفل هذا العام بمرور عشرين عاماً على تأسيسه. اللوحة تجسد أجنحة تحمل رؤية مستقبلية مشرقة، وتحتوي على عنصرين رمزيّين: الجناح الذي يمثل الانطلاق نحو آفاق جديدة من الابتكار والتقدم، وقرية البوابة التي ترمز إلى العمق التاريخي، والهوية لمركز دبي المالي العالمي، كمركز عالمي رائد».
وأضافت «استخدمت في هذا المشروع ألوان الأكريليك التي تتيح لي التعبير عن الأبعاد المختلفة للمفهوم الذي أودّ تجسيده، فهي تعطي عمقاً ومرونة في التعبير البصري، وتتناسب مع الطابع الحي والمباشر للعمل الفني. عرض المشروع كعمل فني حي أمام الحضور يحمل غاية خاصة؛ فهو ليس مجرّد لوحة، بل تجربة حيّة تتفاعل فيها عناصر الرسم مع الجمهور مباشرة. أريد أن يكون المشهد أمام الحضور تجسيداً للتطور المستمر، ليشعر بأنه جزء من هذه الرحلة التي يسعى مركز دبي المالي العالمي لتحقيقها في احتفاله بعشرين سنة من الإنجازات، والطموحات المستقبلية».
نوستالجيا
اعتمدت الفنانة سارة خوربتيل أسلوب السرد الروائي في عملها الفني، وعرضت حالة من النوستالجيا لدى الإنسان من مرحلة الطفولة، وحتى الوقت الحالي، من خلال العديد من اللوحات والملصقات، وانعكاسات الشخصية على الوطن، كما طرحت فكرة تخيّلية، إذا كان الشخص في عالم موازٍ، وهناك إمكانية للعودة لذكرى معيّنة، هل سيختار أن يعيش الذكرى مرة أخرى، أم سيفضل أن يحتفظ بالذكرى القديمة كما هي؟