25 نوفمبر 2024

مواقف وأفلام من مهرجان القاهرة السينمائي 2024

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

أنجز رئيس المهرجان، حسين فهمي، دورة جديدة ناجحة من مهرجان القاهرة السينمائي الذي أسدل عليه الستار، أخيرا، قياسا بالدورة الأخيرة قبل عامين. بعض أهم لحظاتها كان العناية بتقديم أفلام فلسطينية متعددة، بينما ما زالت الحرب مستمرة. لكن هذا ليس كل ما احتفى به المهرجان هذا العام، هناك الأفلام وصانعوها

حسين فهمي مع الفرقة الفلسطينية
حسين فهمي مع الفرقة الفلسطينية

السينما فعل ديمقراطي

انطلق المهرجان كما خُطط له أن ينطلق: حفل افتتاح حافل، ثم عروض متوالية في اليوم التالي. مواقف مؤيدة لرئيس المهرجان حسين فهمي الذي أعلن رفضه لدعم الشركات «الموجودة على قائمة المقاطعة»، والتي تدعم إسرائيل في حربها على غزة، ولبنان.

هذا القرار، إضافة إلى عرض فولكلوري فلسطيني يوم الافتتاح، قُصد به التأكيد على حق المهرجان في اتخاذ مواقف سياسية «كما حال المهرجانات الأوروبية»، كما قال.

استقبال الإعلام المصري لهذا القرار كان إيجابيا، خصوصا أن موقف الدولة المصرية يلتقي مع موقف الرأي العام، في رفض هذا العدوان المستمر، والدعوة إلى سلام شامل يضمن حق الفلسطينيين في دولة لهم.

سألت رئيس المهرجان، حسين فهمي، عن هذا الاهتمام، قال: «أنت تعلم أن المهرجانات الدولية الكبيرة حاليا، باتت ميدانا سياسيا أكثر مما كانت عليه. حضرت برلين وتناقشت مع بعض المسؤولين حول هذا الوضع. لأنه في حين كان بعض المهرجانات يطلب من زيلينسكي الحضور إلكترونيا، على الأقل، بينما لا يطلب من بوتين الأمر نفسه، أجد هذا انحيازا لا معنى له، لأن السينما فعل ديمقراطي في الأساس، يجب الدفاع عنه. دافعي هنا هو عرض وجهة نظر الفلسطينيين في ما يدور، لأن الإعلام الغربي متخلف في هذه الناحية، ولأن ما يدور ليس حربا، بل إبادة».

وعن الشركات والمؤسسات التي عرضت دعما ماديا للمهرجان تم رفضه، أجاب «هذه المؤسسات تغاضت عن أن موقف مهرجان القاهرة في أساسه ملتزم بموقف الدولة في مصر، وشخصيا التزامي هو أيضا، إيماني العميق بأن ما يحدث في فلسطين ولبنان يجب ألا يستمر، تحت أي عذر. لذلك أنا سعيد بإصداري هذا القرار، على الرغم من أن الميزانية التي تلقيناها، وهي أعلى من ميزانية الدورة الأخيرة قبل عامين، بالكاد تلبي كل متطلبات المهرجان. هي كافية، وتحركنا بها جيدا ضمن حدودها. الأهم أننا عبرنا عن رفضنا لعروض المؤسسات التي تدعم الاحتلال».

مجلة كل الأسرة

مجموعة أفلام رشيد مشهراوي

المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، عرض هنا «أحلام عابرة» مرتين، كفيلم افتتاح، ولاحقا للجمهور العام في اليوم التالي، ولاقى استقبالا جيدا في الحالتين.

لكنه عرض كذلك فيلما طويلا مؤلف من 22 فيلما قصيرا (بعضها قصير جدا)، تحت عنوان «أفلام من المسافة صفر». هي أفلام صورها أبناء غزة وبناتها خلال القصف وقبل دخول الاحتلال إليها أخيرا، جمعها المخرج الفلسطيني معا. بعضها أفضل صنعا وتنفيذا من بعضها الآخر، لكن من يستطيع أن يلوم رجالا ونساء توجهوا إلى الكاميرات ليصوروا وقائع حياتهم اليومية في المخيمات، وتحت القصف، وكيف يحاولون البقاء أحياء تحت ركام المنازل، أو حتى فوقها؟

اتخاذ منطقة حيادية حيال ما يُشاهد على الشاشة فعل صعب، لكنه ضروري. بعض تلك الأفلام فكرة تنطلق وتنتهي ببساطة غير فاعلة، وبعضها الآخر على العكس، مثل «خارج التغطية» لمحمد الشريف (رجل يدرك أن أباه تحت الإنقاض لكنه لا يستطيع إخراجه)، و«جنة الجحيم» لكريم ساتوم (عن رجل يأخذ كفنا من البلاستيك ينام فيه تمهيدا لاحتمال موته).

كذلك هناك «آسف سينما» لأحمد حسونة، عن رجل حلم طويلا بأن يصبح مخرجا، لكنه الآن يسعى لكي يبقى وعائلته أحياء فقط، متنقلا ما بين حاجيات الحياة الصعبة. ويعكس لا أفكارا جديدة فقط، بل نيرة، وتكشف عن مواهب، علما بأنه ليس من السهل مطلقا، الجمع بين مواصلة الحياة وتصوير الأفلام في وقت واحد. مخرجو هذا الفيلم يدفعون المُشاهد لتقدير ما حققوه، بصرف النظر عن تفاوت القيمة الفنية التي سنحت لهم.

مجلة كل الأسرة

صورة لبنانية جميلة

علاوة على كل ما سبق، شهد المهرجان طلة مثيرة للاهتمام من قبل صانعي السينما اللبنانية. أفلام اجتمع معظمها تحت مسابقة «آفاق السينما العربية» أفضلها «موندوف» لكريم قاسم. إنه فيلم حزين يرقب حياة عدد محدود من البشر في حميمية فريدة.

للفيلم إيقاعه الخاص الذي وجده البعض رتيبا، لكنه إيقاع الحياة في ذلك الفيلم الذي يبتعد عن تقليد سرد القصة، كما اعتاد البعض في العالم العربي عليها. هناك شخصيات تدخل وتخرج في مشاهد متوالية، يستخدم فيها قاسم لقطات بعيدة، أو بعيدة جدا. وربما كان الفيلم يحتاج إلى لُحمة أفضل قليلا لناحية ربط بين تلك الانتقالات بأسلوب أكثر سلاسة، لكن لا شيء بالتأكيد يعبر عن خطأ فادح في تشييد فيلم مبني على هذه الوسيلة في الانتقال من حال عائلي، إلى آخر. إنه تشييد يتبع إيقاع الحياة في منازل متباعدة، مرمية في أحضان تلك البقعة الجميلة.

إحدى العائلات (يبدأ بها الفيلم) هي لصاحب محل لتصليح السيارات. عجوز يتحامل على نفسه. لديه ولدان (شاب وفتاة)، الشاب يعتني بسربه من الحمام الذي سيضطر لبيعه، كما سنرى لاحقا. يقف مودعا الحمام قبل أن يقبل على حقيبته مقررا المغادرة.

رجل عجوز آخر، وزوجته، في بيت أثري يجلسان معا، في حضن ذكرياتهما. القليل هو ما يفعلانه. ثم هناك أبو نزار المتعب سلفا الذي ما زال يحب المرأة التي لم يتزوجها.

الفيلم صورة جميلة لهذه الأنفس المتعبة. يميل إلى الصمت واللقطات الطويلة، ويرسم صورة، طبيعية وواقعية، تنأى بنفسها عن أحداث اليوم بحكمة.