في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي بشكل مذهل، بات الذكاء الاصطناعي يشق طريقه إلى مختلف جوانب حياتنا، بما في ذلك المجالات الإبداعية التي لطالما اعتبرت حكراً على العقل البشري. فهل يمكن لآلة أن تخلق عملاً فنياً أصيلاً؟ وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينافس الإنسان في الأدب، وكتابة القصص؟
لم يكن يخطر هذا السؤال على بال بشر حتى اليوم الذي خلقت التكنولوجيا منافساً لها في شتى المجالات، فالذكاء الاصطناعي الذي سخّره الإنسان لخدمته، تحوّل إلى تحدٍّ لقدرة الإنسان على ملاحقته، وإثبات أحقيّته في ممارسة مهنٍ ومهام معيّنة، حتى في المهن الإبداعية التي تلامس واقع الإنسان وتجاربه. فقد شهدنا، في السنوات الأخيرة، تطوّرات مذهلة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي بات قادراً على توليد نصوص، شعرية وقصصية، واقعية، بشكل مدهش. فبرمجيات مثل GPT-3 قادرة على كتابة قصص قصيرة، وروايات، بأسلوب لا يختلف كثيراً عن أسلوب الكاتب البشري، فقد نجحت رواية «1 the Road» في خداع القراء والنقاد بأنها من تأليف كاتب بشري، بفضل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في كتابتها. وقد آثار هذا الظهور لأدب الذكاء الاصطناعي العديد من الأسئلة حول طبيعة الإبداع، والفن، وحول دور التكنولوجيا في حياتنا، هذه الأسئلة طرحنا بعضاً منها على قرّاء، وكتّاب، ودور نشر مشاركة في معرض الشارقة الدولي للكتاب، أخيراً.. فهل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الكاتب البشري؟ أم أنه سيكون أداة مساعدة له؟
الذكاء الاصطناعي.. أرباح أكبر وأزمة مِلكية
تردّد الناشر محمد بدر في الإجابة، حين تذكّر الربح المادي الذي قد يجنيه من توفير كلفة الكاتب البشري الذي يتعاون معه «في البداية لا يمكن لناشر، أو قارئ جيد، أن يقع في فخ اكتشاف الذكاء الاصطناعي، ولكن الناشر في النهاية يلبّي احتياجات السوق، فإذا لقي هذا النوع من الأدب رواجاً بين القراء، وأعتقد أنه سينحصر في كتب الخيال العلمي على سبيل المثال، حينها يمكن أن نتقبّل فكرة أدب الذكاء الاصطناعي، وستكون هناك أزمة الملكية الفكرية، التي أرى أنها ستعود لدار النشر التي قامت بإعداد النص الذي سيشمله الكتاب في النهاية».
التنوع اللغوي والأسلوبي
أما الكاتبة مها الرشيدي، فقد تقبّلت فكرة أن تقرأ كتاباً كُتب بقلم الذكاء الاصطناعي، إذا أعجبها محتواه، وأوضحت «يمكن أن يكون أداة قوية للتوسع في الإبداع الأدبي، حيث يمكنه توليد أفكار جديدة، ومساعدة الكتاب على تجاوز الحواجز الإبداعية، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من النصوص الأدبية، ما يتيح له توليد نصوص بأسلوب متنوع، ومختلف، وتجريب أنماط أدبية جديدة».
تسهيل الوصول إلى الأدب
يعمل أيمن عبدالصمد في مجال النشر، ويرى أن الذكاء الاصطناعي في مجال الأدب مقلق، وغير مريح، وغير مقبول للقارئ الطبيعي، ولكن قد ينشأ جيل يتقبّل هذا النوع من الكتب، الأمر الذي يمكن أن يساعد الكتّاب على زيادة إنتاجيتهم.
من جهتها، بيّنت الكاتبة الناشئة فاطمة محمد «يمكن أن يفيد الذكاء الاصطناعي في مرحلة توليد المسوّدات الأولية، أو ترجمة النصوص، أو حتى كتابة النصوص القصيرة، مثل المقالات والتقارير، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهل الوصول إلى الأدب، من خلال توليد ملخّصات للكتب، أو ترجمة النصوص إلى لغات مختلفة، أو حتى إنشاء قصص تفاعلية، خصوصاً في كتب تتناول الخيال، أو الرعب، أو الروبوتات، ومثل هذه الأمور».
نقص العمق العاطفي
يرى الإعلامي منذر المزكي، أن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى العمق العاطفي والإنسانية اللازمين لإنتاج أدب حقيقي، حيث إن النصوص التي يولّدها تعتمد على الأنماط، والإحصاءات، ولا تحمل المشاعر والتجارب نفسها التي يعبّر عنها الكاتب البشري.
التهديد بالإبداع البشري
بينما رفض الكاتب والناشر علي العامري، مجرّد مناقشة الفكرة، ولا يشعر البعض بالقلق من أن الذكاء الاصطناعي قد يهدّد الإبداع البشري، حيث يمكن أن يحل محل الكاتب البشري في بعض المهام، ما يؤدي إلى فقدان القيمة الفنية للأدب، وأكد أنه يمكن لأي قارئ أن يكتشف الفرق في اختيار الكلمات، والنصوص، والحبكة التي تأتي من واقعنا الإنساني.
افتقار إلى التواصل
كذلك رفضت الكاتبة بسمة فريحات، أن يخاطبها ذكاء اصطناعي بأي شكل من الأشكال، وقالت «لست ضد التطور، ولكن لا أحب أن تخاطبني آلة، أو محرك بحث، فهذه النصوص التي يولدها الذكاء الاصطناعي تفتقر إلى الأصالة، حيث إنها تعتمد على إعادة تدوير الأفكار والأنماط الموجودة بالفعل».
اللمسة الإنسانية
من جهتها، ترى الناقدة الدكتورة فاطمة البريكي، أن الذكاء الاصطناعي لابد أن يتحدّد دوره في أن يكون أداة مساعدة للكاتب البشري، وليس كبديل له «يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفر للكاتب العديد من المزايا، مثل توليد الأفكار، وتحرير النصوص، وترجمتها، ولكن يبقى للكاتب البشري الدور الحاسم في إضافة اللمسة الإنسانية والنفسية إلى النص الأدبي، ومن جهتي، أرفض تماماً أن يُكتب الأدب بقلم تقني، وليس بشرياً».
محدودية الذكاء الاصطناعي
كما أكد عبدالرحمن زين الدين، الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي، أنه «على الرغم من هذه التطورات المذهلة، لا يزال هناك العديد من التحدّيات التي تواجه الذكاء الاصطناعي في مجال الكتابة الإبداعية. فالذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل أساسي على البيانات التي يتم تدريبه عليها، وهذا يعني أنه قد يعيد إنتاج نفس الأنماط والنصوص التي تعلمها. كما أن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى الخبرات الحياتية، والمعرفة العميقة بالعالم التي يتمتع بها الإنسان، والتي تعتبر ضرورية لإنتاج أعمال إبداعية أصيلة».