مهرجان «النباتات الملحيّة» يحتفي بكنوز أم القيوين ومستقبل غذائي مستدام
على المدى الواسع لساحل أم القيوين العامر بأشجار القرم، أو «المانجروف»، وبالمناظر الخلّابة والصافية لعمق المياه الممتدّة عبر فضاءات الطبيعة، احتفى «مهرجان حصاد النباتات الملحيّة» في خور أم القيوين، ببُعدين على تماسّ بالبيئة .
البعد الأول رصد التنوع البيئي من خلال التركيز على النباتات الملحيّة، مثل الساليكورنيا والشَّنان، والتي تتمتع بقدرة فريدة على النمو في البيئات الساحلية المالحة، ما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من المنظومة البيئية المحليّة. وركّز البعد الثاني على الأمن الغذائي لكون تلك النباتات تمثل مصدراً غذائياً مستداماً، وتقدّم إمكانات هائلة لتحسين الزراعة في المناطق الصحراوية، لدرجة أن «تجربة تذوق» تخللت المهرجان، وتضمنت أطباقاً تدخل تلك البناتات ضمن مكوّناتها، ما جعل التجربة أكثر قرباً من الجمهور.
وينبثق مهرجان حصاد النباتات الملحيّة من شراكة متعدّدة الأطراف، بين حكومة أم القيوين -دائرة السياحة والآثار، تحديداً، وجمعية الإمارات للطبيعة، بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، والمركز الدولي للزراعة الملحيّة، وفندق كاسا ميكوكو، وهو ملاذ هادئ وسط أشجار القرم والمياه الصافية ويندرج في إطار مشروع الحلول القائمة على الطبيعة، للتعريف بأهمية خور أم القيوين، وتعزيز الاستدامة في إنتاج الغذاء المحلي، حيث يلعب خور أم القيوين دوراً بارزاً في تعزيز التنوع، البيئي والطبيعي، ويحتضن «المستقبل المستدام»، من خلال التركيز على النباتات الملحيّة، والاحتفال بكنوز البيئة الإماراتية
وإذ يُعّد خور أم القيوين رمزاً للتفاعل بين الإنسان والطبيعة، تتوقف مها الصالحي، مدير الحفاظ على الطبيعة والاقتصاد في جمعية الإمارات للطبيعة، عند هدف مشروع الحلول القائمة على الطبيعة لجهة «الإدارة الصحيحة، وحماية النظم البحرية الساحلية، حيث نعمل، من خلاله، أي المشروع، على أكثر من مسار، ومن ضمنها الحفاظ على النباتات الملحيّة، وبينها نبات الساليكورنيا (الخريزة)، والشنّان، وترتكز الفكرة على التعريف بهذه النباتات المتواجدة على طول سواحل أم القيوين، وقيمتها الغذائية، عبر اكتشاف وتذوّق بعض الاطباق معاً، إلى قيمة النباتات البيئية، وأهميتها في تعزيز التنوّع الحيوي، ومواجهة التغيّرات المناخية، وكحلٍّ من حلول الزراعة المستدامة والأمن الغذائي».
بدورها، تتحدث مارينا أنتونوبولو، الرئيس التنفيذي لإدارة الحفاظ على الطبيعة والمناخ والطاقة، في جمعية الإمارات للطبيعة، عن ارتباط تعزيز مفهوم الاستدامة بأهمية العودة إلى الجذور الطبيعية، لاكتشاف الحلول المستقبلية، وبالأخص أن «خور أم القيوين، بمياهه المالحة وطبيعته الغنية، يُثبت أن التنمية المستدامة يمكن أن تنبثق من التكيّف مع البيئة».
مارينا التي قضت نحو 16 عاماً في التّماس مع الطبيعة في أم القيوين، تبرز هذا التداخل الجميل للنباتات الملحيّة في تحضير أطباق مبتكرة، مع الحفاظ على التراث. تقول مارينا: «الطعام في الثقافة العربية ليس مجرّد وسيلة للتغذية، بل هو جزء أساسي من التواصل الاجتماعي . هناك قصة خلف كل طبق، ونسعى اليوم إلى رواية هذه القصة، ليس من خلال إعداد الطعام فقط، ولكن أيضاً من خلال جعل الناس يشعرون بها، حيث نريد الإصغاء إلى أفكاركم». كانت تلك دعوة مارينا إلى تذوّق أطباق أعدّتها الطاهية بثاني كعدي، أدخلت فيها نبتتي الساليكورنيا والشنان، ما يدلّ، بحسب مارينا، على أن «هذه النباتات مرتبطة بجوهر الحمض النووي للمجتمع الإماراتي، وراسخة في الثقافة العربية». وتضيف موضحة: «من خلال استكشاف هذه النباتات، يمكننا اكتشاف الأغذية بطرق جديدة، من خلال التذوّق والمعرفة. فما نريد تسليط الضوء عليه هو أن التجربة التي سنخوضها هنا اليوم هي نتاج عمل مستمر، لم يكن التركيز فيه على النباتات فقط، بل على القصة الأكبر: البيئة، والمشكلة العامة التي نواجهها».
من قلب المشروع، يركز رشيد زعبول، خبير نمذجة التغيّر المناخي في المركز الدولي للزراعة الملحية «إكبا»، على أن «المشروع بوشر العمل فيه منذ أربع سنوات، بين الجهات المعنية، ويتركز اهتمامنا على نبتتي الساليكورنيا والشنان، لما تتميزان به من دور مهم في المحافظة على التنوّع البيئي في هذه المنطقة، وفي الحدّ من التأثير السلبي للتغيّرات المناخية»، لافتاً إلى أن المركز الدولي للزراعة الملحيّة يعمل على البيئات الهشة، والمتضرّرة جراء التغيّرات المناخيّة، كما نرصد حلولاً قابلة للتطبيق لإصلاح الأراضي المتضرّرة، وتوظيف النباتات التي تستخدم الكمية الأقل من المياه، لكوننا نعيش في منطقة تُعدّ المياه فيها مورداً نادراً.
وتحدث عمر شهاب، مالك مطعم «بوكا»، في دبي، عن دور هذه النباتات، وما تمثله من «فرصة جديدة للطهاة والمطاعم لاستكشاف نكهات جديدة»، ومن منطلق اهتمامه بالبيئة والاستدامة، اعتمد في الكثير من مسارات التعاون مع تلك الجهات على توظيف البيئة المحلية ضمن عمله في مجال المطاعم وضمن دائرة الإنتاج والاستدامة، يأمل تحقيق التغيير وتوسيع الرؤى تجاه الأمن الغذائي. يوضح شهاب: «نحاول دمج هذه النباتات الملحيّة في النظام الغذائي اليومي، ما يعزّز من جودة وتنوّع الغذاء. فالهدف هو جعل هذه النباتات جزءاً من الطعام اليومي البسيط، وهذا من شأنه أن يسهم في تحسين التغذية».
ويضيف «كشخص ممثل للمشروع، يرتكز دوري على تعريف الطهاة والمطاعم بما نقوم به في المطبخ، وتجربة أشياء جديدة، حيث بدأ الطهاة يتوجهون إلينا لمعرفة ما الذي نجرّبه، وكيف يمكنهم تطبيق هذه الأفكار الجديدة في قوائمهم».
ومن الجدير بالتوضيح أن النباتات الملحيّة هي أنواع من النباتات التي تنمو بشكل طبيعي في البيئات المالحة، مثل السواحل البحرية، والمستنقعات الملحيّة، وتتميز بقدرتها على تحمّل مستويات عالية من الملوحة في التربة، أو المياه، حيث يمكن لبعض هذه النباتات العيش في بيئات تحتوي على أملاح تعادل، أو تفوق نسبة الأملاح في مياه البحر، وتعتمد تلك النباتات على آليات لتحمّل الملوحة، بالتخلص من الأملاح الزائدة عبر الغدد الملحية الموجودة على أوراقها، أو عزل الأملاح في أنسجتها، بحيث لا تؤثر في العمليات الحيوية، أو زيادة محتوى المياه داخل أنسجتها لتخفيف تأثير الملوحة.
* تصوير: السيد رمضان