شباب إماراتيون يستلهمون تصاميمهم من تراث البلاد وحكايات الأجداد
العودة إلى الجذور، مبدأ يتبنّاه العديد من المصمّمين الشباب في أعمالهم، متّخذين من تراثهم العريق، وقيمهم الأصيلة، أداة قوية في التصميم للحفاظ على هويتهم الوطنية، ونقلها للأجيال القادمة. وبالتزامن مع عيد الاتحاد، قدم المصممون الشباب أعمال فنية إبداعية مزجوا من خلالها بين الحِرف اليدوية التقليدية، والتقنيات الحديثة، ليخلقوا تصاميم فريدة من نوعها، تجذب إليها أنظار العالم. فأعمالهم ليست مجرد قطع فنية جمالية، بل هي رسالة حب، واعتزاز بالوطن، وتعبير عن الهوية الإماراتية المتفرّدة.
«كل الأسرة» التقت عدد من المصممين الإماراتيين خلال مشاركة أعمالهم في أسبوع دبي للتصميم، والذين لعبوا دوراً هامّاً في تعزيز الهوية الوطنية، من خلال أعمال تُسهم في الحفاظ على التراث الثقافي، فأكدوا لنا خلال اللقاء أهمية نشر الوعي بالتراث، وتعزيز الشعور بالانتماء إلى الوطن، من خلال إسهامهم في بناء هوية بصرية للإمارات، تبرز جمالها، وتنوّعها، وتجعلهما علامة فارقة في عالم الأبداع.
إحياء مشهد «الأفلاج»
المصمّمة الجود لوتاه، صنعت مجلساً يعيد للذاكرة مشهد «الأفلاج» التي شكلت شرياناً رئيساً لحياة الإماراتيين، في الماضي، وشاهداً على عبقرية الأجداد في هندسة جريان المياه، تقول «دائماً ما كان «الفلج» جزءاً لا يتجزأ من تراثنا الإماراتي، وهو رمز للحياة والاستدامة في بيئتنا القديمة القاسية، وقد أردت من خلال تصميم هذا المجلس، الذي تتصدّره طاولة على شكل «فلج»، أن أحيي هذا الرمز العريق، وأعيد تقديمه بطريقة عصرية، تتناسب مع ذوق الأجيال الجديدة. فالفن والتصميم بالنسبة لي هما وسيلة للاحتفال بهوّيتنا، وتراثنا، وأنا فخورة بأن أتمكن من المساهمة في الحفاظ على هذا الإرث الثمين، فنحن، كفنانين إماراتيّين، نتخذ من قادتنا قدوة في الاعتزاز بماضينا، ليكون امتداداً لحاضرنا، ومستقبلنا، وأتمنى أن تسهم هذه المجموعة في تعزيز الوعي بأهمية تراثنا الإماراتي، وأن تلهم الأجيال القادمة الاعتزاز بهوّيتها».
«الشبرية» وضفيرة شعر
تأثرت حصة الكندي بقصص جدّتها عن الماضي، وترسّخت في ذاكرتها، حتى تمكنت من تجسيد الحنين الذي تولّد لديها تجاه البيوت القديمة، فصمّمت «الشبرية» التي كان ينام عليها جدّها في بيتهم القديم، وتشرح «طلبت من جدّتي أن ترسم «الشبرية» التي وصفتها لنا كثيراً في حكاياتها عن حياتهم في الماضي، فصمّمتها بالمواد ذاتها التي كانت تستخدم قديماً، مع لمسة من مشاعر الحنين التي تولّدت لديّ نحو ماضي الإمارات، حتى إنني فصّلت الجزء الخلفي من «الشبرية»على شكل ضفيرة شعر، والسبب أن جدتي كانت تحكي لنا وهي تجدل شعري، فترجمت كل هذه المشاعر في تصميمي، فما يميّز الأعمال التي ترتبط بالهوية الوطنية أنها رسالة أجيال، أكثر من كونها عملاً فنياً».
صنع في الإمارات
من وجهة نظر خالد الشاعر، ومحمد سمارة، يعني تعزيز الهوية الوطنية تحقيق أهداف وتوجّهات الدولة، في كل مرحلة، فقد صمّما طاولة تقديم قهوة من مخلفات مصانع البلاط في الدولة، ويوضحان «عندما نقول «صُنع في الإمارات»، فنحن بذلك ندعم توجّه دولة الإمارات، ورؤيتها لتعزيز الصناعة، وعندما نعيد تصنيع المواد المستخدمة من البلاط والجلود، وغيرها، فنحن نحقق الاستدامة، وهو ما اعتمدته الإمارات في السنوات الأخيرة، وبشكل ملحوظ، ولأن تقديم القهوة عادة إماراتية أصيلة، فقد صمّمنا طاولة قهوة من قطع بلاط مكسورة وجدناها في المصانع الإماراتية، ويلقى هذا التوجه الذي نركز عليه في أعمالنا، تقديراً كبيراً من الدولة، التي ترى أننا نترجم رؤيتها في الصناعة بطريقة مبتكرة، تليق بمستقبل الإمارات».
مبخرة.. قطعة فنية للديكور
أبدعت المصمّمة الإماراتية أنوار عبدالله، في تصميم قطعة فنية فريدة تجسّد التقاء الماضي بالحاضر. فمبخرتها، التي صمّمتها بدقة متناهية، ليست مجرّد وعاء لاحتواء العود، والبخور، بل هي تحفة فنية تعكس عمق الحضارة الإماراتية، وتبيّن «قمت بمزج أشكال هندسية تقليدية مستوحاة من البيوت الإماراتية التي تُعِد «الدخون» جزءاً لا يتجزأ من حياتها اليومية، وتمكنت من خلال هذه القطعة أن أجمع بين الأصالة، والحداثة، بتحويلها إلى قطعة ديكور، لتشكل إضافة قيّمة لكل منزل يعكس الهوية الإماراتية بطريقة عصرية مبتكرة».
«ستوت».. مواد بناء مستدامة
أما المصمّم المعماري الإماراتي عبدالله الملا، فقد عكس دور المصمّمين في تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن مواد البناء، من خلال مشروعه «ستوت»، وقال «نحن نقدم بديلاً مبتكراً لمواد البناء، وخالياً من الأسمنت، ومنخفض الكربون، ونفذته بالشراكة مع شركة «أوكسارا»، كنموذج يحتذى في مجال البناء المستدام، ومع دعم مبادرة «ابتكارات للبشرية»، وشراكتها مع مؤسسة دبي للمستقبل، تتجه الأنظار نحو مستقبل أكثر استدامة. إن العمل الفني «ستوت» ليس مجرّد تحفة فنية، بل هو نذير لنهج جديد في قطاع البناء، حيث ستحلّ المواد المستدامة محل المواد التقليدية. وتؤكد هذه الشراكة التزام دبي بتحقيق مستقبل مستدام، حيث تتحول الأفكار المبتكرة إلى واقع ملموس، لنواكب توجّه دولة الإمارات في كل المراحل، ففي العام الماضي، صنعت مجسماً لمظلّة توسطت حي دبي للتصميم، وكانت مصنّعة من سعف النخيل، وقد استخدمناه في هذا المشروع أيضاً، الأمر الذي يؤكد قوّته في البناء، ويعزز هويتنا الوطنية أيضاً.
* تصوير: السيد رمضان