في عيد الاتحاد الـ53، نستحضر تراثنا الإماراتي وجذور هويتنا، من الأزياء التقليدية بلمسات الأصالة، إلى الرياضات التراثية النابضة بروح التحدّي، والسنع الإماراتي، وغيرها، ليتبدّى الحفاظ على هذا الإرث امتداداً لماضينا.
ابتسام المدفع: أدخلت على أزيائي لمسات معاصرة دون المساس بجوهر التراث
يتزايد الإقبال على الأزياء التراثية، سواء في عيد الاتحاد، أو في بقية الأيام. تشاركنا المصممة الإماراتية ابتسام المدفع رؤيتها حول تطويع الأزياء التراثية لتلبية احتياجات العصر، وتقول «لا تقتصر تصاميمي على المناسبات الوطنية، مثل عيد الاتحاد، بل تشمل مناسبات اجتماعية، كحفلات الحنّاء، والأعراس، وشهر رمضان المبارك، و«حق الليلة»، وغيرها من المناسبات».
تحتفظ ابتسام بتفاصيل تراثية محدّدة في كل قطعة، بأسلوب إبداعي يمزج بين عناصر التطريزات التراثية والعصرية «أستخدم الأقمشة القديمة الممزوجة بأسلوب حديث، كما اعتمد على التطريزات التراثية التي كان الأجداد يستخدمونها، مع إضافة لمسات جديدة، مثل التلي التقليدي - الذي كان يُستخدم عادة من دون أيّ زينة، أو إضافات - مع الخرز، والترتر، أو الكريستال، وهذا الدمج بين الحداثة والتراث هو ما يجذب كثيرات ممّن يرغبن في ارتداء قطع تبرز الهوية الإماراتية، بلمسات مودرن».
فضّلت المصمّمة ابتسام المدفع «الابتعاد عن التصاميم التي تجمع ألوان العلم الإماراتي في قطعة واحدة، وبدلاً من ذلك، أطلقت تصاميم منفصلة لكل لون، بحيث يكون لكل لون تصميمه الخاص، ويعبّر عن هويته بشكل فريد».
هذا التوجه الفريد يمنح التصاميم روحاً عصرية، بحيث تستخدم أقمشة ترتبط بجذور التراث الإماراتي، ومن أبرزها «التور القديم الذي كانت الأمهات يطلقن عليه اسم «دمعة فريد»، وتشرح «هذه الأقمشة تحمل ذكريات الماضي، وتُعبّر عن جمالية البساطة التي تميزت بها الأزياء الإماراتية في تلك الحقبة».
وتشير المدفع إلى أن الجيل الجديد من الشابات يظهر اهتماماً واضحاً بالتصاميم التقليدية «نجاح تصميم الأزياء التراثية يكمن في القدرة على إدخال لمسات حديثة من دون المساس بجوهر التراث، ما يسهم في إبقاء الهوية الإماراتية حية، ومتجدّدة، لأننا من دونها نفقد الصّلة بجذورنا، وثقافتنا»، داعية الجيل الجديد إلى «التمسك بتراثه مهما تطوّر الزمن، لأن هذا التراث يربطنا بجذورنا، وهويتنا».
وديمة العامري: أزياؤنا التراثية مرآة لهويتنا الثقافية والحفاظ عليها واجب
ترصد وديمة العامري، مصمّمة أزياء وباحثة في التراث، دور الأزياء التراثية في التعبير عن الهوية الثقافية، وأهمية نقلها للأجيال الجديدة، وتؤكد «الأزياء تُعد انعكاساً للهوية الثقافية، وهي أول ما ينظر إليه الآخر للتعرف إلى هويتنا، ومهمة الحفاظ على الأزياء التراثية واجب وطني، ونحن في الإمارات نفخر بارتداء أزيائنا التقليدية حتى اليوم».
وحول التطريزات التراثية، تشير وديمة «ما زلنا نستخدم التفاصيل التراثية نفسها، لكننا نمزجها بالحداثة والإبداع في عالم الموضة. هذا الدمج يحافظ على جمال الأزياء الإماراتية، وعراقتها، مع إبرازها بشكل يلائم الأجيال الجديدة».
وتنفي وديمة العامري وجود تحدّيات متعلقة بالمحافظة على البعد التراثي على صعيد الجيل الحالي، بفضل التنشئة والتربية الإماراتية «مجتمعنا لا يزال يحافظ على ارتداء الأزياء الإماراتية في حياته اليومية، ما يعزّز ارتباط الأجيال الجديدة بتراثها، وهذه الأزياء تطوّرت مع الحفاظ على أصالتها، ولهذا نجد العروس الإماراتية تقتني الملابس التراثية، لتبدأ حياتها الجديدة وهي تفخر بجذورها».
أما الاختلافات بين الإمارات، فتُدرجها ضمن «التفاصيل الغنيّة»، موضحة «الاختلافات تكاد تكون معدومة بين إمارات الدولة، لكون طبيعة المرأة في دبي هي نفسها في أبوظبي، مثلاً، وهذه الاختلافات قد تظهر في تفاصيل بسيطة، مثل تصميم البرقع، أو فتحات العنق، أو طريقة لبس العباءة، والشيلة، وهي تفاصيل تضيف تنوّعاً ثرياً يعزز الهوية المحلية لكل منطقة».
وتتوقف وديمة العامري عند أهمية الحفاظ على البعد التراثي في أزيائنا «أسعى لدمج الأزياء الإماراتية التقليدية مع التطورات العصرية، لتصبح جذابة للأجيال الجديدة. أزياؤنا التراثية ليست إرثاً فقط، بل مصدر فخر لكل فتاة وسيدة إماراتية، وتضاهي الأزياء العالمية بقيمتها التاريخية، والجمالية».
الصقّار إبراهيم الحمادي: الصقور جزء من تراثنا الأصيل وزايد «الصقّار الأول»
يروي الصقار إبراهيم أحمد الحمادي بفخر «الصقور جزء كبير من التاريخ الأصيل الذي تعلّمناه من آبائنا، وأجدادنا، بخاصة من المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، الذي كان له فضل كبير في تعليمنا كيفية الاهتمام بالصقور، وتربيتها، ونحن بدورنا نقلنا هذا العلم للأجيال القادمة، وعلّمنا أبناءنا، وهم الآن يعلّمون أحفادنا».
يضيف «بدأت مع الشيخ زايد هواية الصيد بالصقور عندما كان عمري 19 عاماً، وكانت تجربتي معه مملوءة بالدروس حول حب التراث، والعناية بالصقور. الشيخ زايد كان الصقّار الأول في العالم، وكان يهتم بالصقور كجزء من ثقافتنا، وتراثنا العريق، ويعتبرها رمزاً من رموز الهوية الإماراتية. وعندما كنا نسافر معه، كان يُظهر للناس اهتمامه الحقيقي بالتراث، ويقدم الدعم للجميع، ويبث الدفء في كل من حوله، سواء في البر، أو في الصحراء»، مستذكراً مواقفه الإنسانية النبيلة خلال رحلاته معه إلى عدّة دول.
واليوم، يواصل الحمادي وأسرته نقل المعارف حول الصقور وتربيتها للأجيال الجديدة «نعلّمهم أنواع الطيور، طرق تربيتها، والعناية بها، وهذا نابع من شغفي بتعليم الشباب هواية الصيد بالصقور، والحفاظ على هذا التراث».
فتلك الهواية التي توارثتها الأجيال يرى فيها الحمادي درساً مستمراً في الصبر والقوّة «هذه هوايتنا التي ورثناها من أجداد الأجداد. الصقور جزء من تراثنا الأصيل، تعلّمنا الصبر، القوّة، وتكشف لنا أسراراً عن الحياة».
ومع صوره مع أحفاده في رحلات الصيد، يتضح حبه لنقل هذا التراث إليهم، مشيراً إلى أهمية غرس القيم الأصيلة في نفوسهم رغم التحديات التي قد يواجهها الجيل الجديد «نحن نعلّمهم ونشجعهم، وهناك الآن مسابقات للصقور تشجع الشباب على الاستمرار في هذه الهواية».
ويوجّه د. الدرعي الاتّهام إلى الألعاب الإلكترونية لكونها «من المعوّقات أمام انتقال الألعاب التراثية من جيل إلى آخر، حيث ظلت تلك الألعاب الشعبية تنتقل من جيل إلى جيل دونما انقطاع، إلى أن جاء عصر التكنولوجيا، حيث تمّ سلخ روح الإمتاع من الألعاب، وتغليفها في قالب مغلق، يقتضي الجلوس والمكوث لساعات طويلة».
يحسم د.الدرعي «لابدّ من وقفة توعوّية وجماعية أمام هذا السيل الجارف للهو المسّمى بالألعاب الإلكترونية، التي تتنافى مع قيم ومبادئ المجتمع العربي الذي يستمد قوته من شريعته الغرّاء، وأدعو الخطباء وذوي التأثير الاجتماعي إلى الجهر بخطورة تقلّص مساحة الألعاب التراثية لمصلحة نظيرتها الضارّة من الإلكترونيات الفجّة، حيث يُجمع علماء النفس على أن أخطر سنوات العمر في تشكيل شخصية الإنسان هي مرحلة الطفولة».
يتلمس د. الدرعي اهتمام الشيخ زايد بهذا المنحى «أدرك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، هذه الخطورة، فكان يدعم السباقات التراثية البحرية، والهجن، بل ويحرص أحياناً على حضورها، ويتولى شخصياً، على الرغم من كونه رئيساً للدولة، توزيع الجوائز على الفائزين، دعماً لهم، وتثبيتاً على نهج آبائهم وأجدادهم»، متوقفاً عند أهمية المهرجانات التوعوّية التراثية، لما لها من دور في تذكير الناس بجذورهم، وعدم الانسياق خلف سراب الحضارة المخادع، أحياناً.
يعترف د.الدرعي أن «أبرز الرياضات التراثية قد انقرضت تقريباً، وباتت أثراً بعد عين، إلا تلك التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسباقات البحرية، وسباقات الهجن، أو ترعاها الجهات الحكومية»، مقدماً أحد الحلول لإعادة إحياء تلك الرياضات «عبر دمجها في بوتقة الفضاء الإلكتروني»، ويقول «عايشت شخصياً محاولة طموحة لشاب مواطن لإطلاق لعبة تراثية قد تكون المدخل لتحبيب النشء بعالم الرياضات التراثية».
ميثاء عيسى: الإمارات ليست مجرد ناطحات سحاب بل روح وقيم متأصلة
تلعب الضيافة دوراً محورياً في الثقافة الإماراتية، ويرسي السنع الإماراتي قيماً للكرم الإماراتي. وتشكّل المرشدة السياحية الإماراتية ميثاء عيسى، جسراً ثقافياً لتعريف الأجانب بالسنع الإماراتي، بأسلوب تفاعلي. ولهذا، أسست ميثاء «البيت الإماراتي»، وهو بيت العائلة، حيث تكون مرشدة، وسفيرة ثقافية، في آن واحد، تُعرّف الوفود والأجانب الذين يزورون الإمارات بأصالة التراث الإماراتي، وخصوصيته.
شعرت ميثاء بأن الطريق يبدأ من هنا، من أرض الإمارات «التراث ليس مجرد تاريخ، أو ثقافة، إنه هوية متجذرة. فمنذ صغري تربّيت، مع والدي وعائلتي، على قيم الإمارات، على السنع والعادات التي أصبحت جزءاً من هويتي. نشأنا ونحن نحمل هذا التراث معنا، وفي دمائنا».
ثمة أسئلة رافقت مسيرتها في ظل تراجع بعض الأجيال عن هذه التقاليد وسط تحدّيات العولمة «لماذا يجب أن نتعلم من الآخرين ونقلّدهم؟ لماذا لا نبادر بأن نرسّخ عاداتنا وقيمنا؟ أردت أن يفهم الجميع أن الإمارات ليست مجرد ناطحات سحاب، بل روح، وتاريخ، وقيم متأصلة».
ولذلك، هي تقدم تجربة متكاملة من الموروث، والتاريخ، والعادات، والتقاليد، حيث تبدأ الجولة بتقديم لمحة عن مفهوم السنع الذي يعبّر عن قيم الكرم، والاحترام، والتواضع، تعقبها جلسة تقديم القهوة العربية وتقاليدها، بدءاً من الأكبر سناً إلى الأصغر، وكيفية ترك مساحة في الفنجان، في إشارة رمزية تجسد الكرم والضيافة، كما تستعرض اللباس التقليدي، وتبرز أهمية العباءة، والكندورة، في الثقافة الإماراتية.
تبيّن ميثاء عيسى «يتعلم زوار «البيت الإماراتي» آداب التواصل، واحترام الأكبر سناً، حيث أوضح لهم كيف يُعتبر احترام كبار السّن ركيزة من ركائز السنع الإماراتي. وفي إطار تجربة الضيافة، يتّم تقديم الطعام على الطريقة التقليدية، مع توجيهات حول تناول الطعام باليد اليمنى، وأسلوب الجلوس المتّبع، وتتخلل الجلسة كلمات إماراتية شائعة، مثل «مرحبا»، و«يا هلا»، ما يساعد الزوار على التواصل، وفهم الثقافة بعمق».
شمة عيد الطاير: السنع الإماراتي يعكس قيم الكرم واحترام الضيف
أعادت شمة عيد الطاير، من مركز الحرف الإماراتية التابع لمعهد الشارقة للتراث، رسم مشهد الضيافة الإماراتية، مجسّدة عراقة تقاليد القهوة الإماراتية التي تعتبر رمز الكرم، وركناً أساسياً من أركان الضيافة التي يحرص كل إماراتي على إحيائها.
وتشير شمة الطاير إلى أنّ «تحضير القهوة هو طقس متكامل، يتطلب ثلاث دلال هي: الخُمرة، والتلجيمة، والمزلة، التي تُوضع فوق «الكوار»؛ الموقد التقليدي المعتمد على الفحم، وكان الأجداد يحرصون على إبقائه مشتعلاً، ومهيأ لاستقبال أي ضيف قد يطرق الباب فجأة، ويستعد المضيف لاستقباله بقهوة تُعّد خصيصاً لتكون ساخنة، و«جديدة»، تعبيراً عن الحفاوة، والاحترام».
وتتوقف شمة الطاير، التي مثلت الدولة وتراثها في الخارج، عند أهمية البخور في استقبال الضيوف، حيث يتم استخدام «المدخن»، وكسرة من العود غير المعطّر فور وصول الضيف، كجزء من العادات التي ترمز إلى الاحترام والاحتفاء بالزوار، قبل تقديم القهوة «بعد الانتهاء من تقديم القهوة وفق الترتيب التقليدي، تبدأ مرحلة «الفوالة»، وهي تقديم الضيافة التي كانت في الماضي بسيطة، وتعتمد على ما يتوفر، مثل الخبيصة، البلاليط، اللقيمات، الهريس، أو الثريد»، لافتة إلى أن التمر كان دائماً يُقدم كفاتحة للضيافة قبل القهوة، حيث يتم تقديم التمرة أولاً، ثم تُصب القهوة للضيف.
هذا التقليد العريق يرسّخ موروثاً يحتفي بالضيف، ويُشعره بأنّه في بيته، وبين أهله. توضح الطاير النهج المتبع «الضيف الأكبر مكانة يجلس في «صدر المجلس»، حيث يُخصص له المكان الرئيسي، تقديراً واحتراماً، وتقديم القهوة يبدأ من «صدر المجلس»، ويُحرص على أن تُقدم القهوة باليد اليمنى، ثم ينتقل إلى من يجلس على اليمين في حركة دائرية تشمل الجميع. كما يحرص على تلبية طلب أيّ ضيف يرغب في المزيد، مع الالتزام بعدم ملء الفنجان بالكامل، بل تقديمه بمقدار رشفة، أو اثنتين فقط، كجزء من تقاليد الضيافة»، موضحة أن الشخص الذي يقدم القهوة يبقى واقفاً طوال الوقت، ولا يضع الدلة على الطاولة، كما أن ملء الفنجان كاملاً قد يُعتبر إشارة غير مرغوبة توحي بالاستعجال، بينما حركة هز الفنجان من الضيف تعني الاكتفاء.