09 ديسمبر 2024

فيلم «أسد الصحراء» لمصطفى العقاد يجول مجدداً

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

 بعد عرضه الخاص في مهرجان القاهرة السينمائي، الذي انتهت أعماله في الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي، ينطلق فيلم «أسد الصحراء» في جولة عروض عربية عدّة.

في الواقع بدأت «سينما عقيل»، وهي المؤسسة التي تنفرد بالتخصص في عرض الأفلام المستقلة، والمختلفة عن السائد، بعرض الفيلم في احتفاء خاص مع نهاية شهر نوفمبر. بعد ذلك ستعرضه جدّة، والدوحة، والقاهرة (عرض تجاري)،  والسعي جارٍ لتوسيع الرقعة، عربياً وعالمياً، كما أفادني مالك العقاد، إبن الراحل مصطفى العقاد الذي يسير على خطى والده، في الإنتاج والإخراج.

والمثير في الموضوع هو أن فيلماً تاريخياً كبيراً بوشر بعرضه في دبي، وصالات العالم العربي، إنما من إنتاج أمريكي هو «غلادياتور 2». ومن المؤكد أن من يحب سينما التاريخ والمعارك الملحمية، وشاهد كلا الفيلمين كان سعيداً بهذه الإطلالة المزدوجة.

مجلة كل الأسرة

اختراق عربي لهوليوود

 كان مهرجان  القاهرة السينمائي، خلال دورته الخامسة والأربعين، قد أقام ندوة عن المخرج الراحل، وفيلمه، والذي كان قضى ضحية عملية إرهابية في عمّان قبل 19 سنة. توسطت الندوة عرض الفيلم التاريخي الذي  قلّما شوهد في صالات السينما عربياً.  علماً بأن  فيلم مصطفى العقاد الأول «الرسالة»، عن نشأة الإسلام، و«أسد الصحراء»، حول مناضل في سبيل استقلال بلاده، كانا، ولا يزالان، أكبر إنتاج عربي- عالمي عرفته السينما.

المناسبة تستحق الاهتمام،  أولاً لإعادة التذكير بمخرج عربي اخترق الجدار الصامت حول تاريخ العرب والإسلام، في فيلميه، وهما «الرسالة» (1976)، و«أسد الصحراء» (1980). وثانياً، لأنه المخرج العربي الوحيد الذي نجح في تحويل أحداث تاريخية عربية إلى الشاشة بنظام 70 ملم بانافيجين، كما أفلام البريطاني ديفيد لين الذي انتمت رؤية العقاد الفنية  إلى أفلامه، وفي مقدّمتها «لورنس العرب» (1962)، الذي جمع ممثلين عالميين (أنطوني كوين، بيتر أو تول، أليك غينس، جاك هوكينز، كلود رينز)، إلى جانب عمر الشريف، وجميل راتب من مصر.

العقاد بين نجمين
العقاد بين نجمين

مصطفى العقاد.. ثقة ثمينة

لم يكن سهلاً على الممثلين الذين ظهروا في فيلمي العقاد تسليم مقادير مهنتهم، آنذاك، لمخرج  عربي غير معروف، كل ما كان لديه لتقديمه - إلى جانب طموحه- أنه اشتغل مساعد إنتاج وإخراج في بعض المحطات التلفزيونية الأمريكية . لكن العقاد فاز بالثقة سريعاً، مع احتمال أن يكون الموضوعان المثاران في هذين الفيلمين عنصر جذب إضافي. الأول دار حول رسالة عن دين لم يتعرّف إليها الغرب في فيلم سابق، بل بقيت مودوعة في دراسات أكاديمية، وكتب. الثاني ثورة ليبية ضد الاستعمار الإيطالي، صاغها العقاد بعناية وتوازن، في حين راعى فيه جودة التقديم.

«الرسالة» تم بنسختين منفصلتين، واحدة عربية أمّ تمثيلها بعض أفضل الخبرات المصرية، والمغاربية، والسورية، واللبنانية، وواحدة بالإنجليزية، وكلاهما كان جناح عمل مدروس، على الرغم من صعوبة تنفيذه.

الفيلم الثاني، «أسد الصحراء»، حكى أن هناك ثورات أخرى وقعت خلال احتلال أجزاء من العالم العربي، وأن الموت الجماعي حاذى سواه ممّا حول العالم.

ما إن وقّع أنطوني كوين، وإيرين باباس، على العقد المبرم لهما، حتى تداعى الآخرون أمثال مايكل أنسَرا، وداميان تومس، ومايكل فورست. لاحقاً، عندما خرج «الرسالة» إلى عروض عالمية شملت بلداناً، عربية وغربية، عدّة، صار من الأسهل جذب نجوم آخرين تقدّمهم، مرّة ثانية، أنطوني كوين في دور عمر المختار. حينها قال كوين  لهذا الناقد في مقابلة: «كنت لا أعرف شيئاً عن التاريخ العربي. العقاد فتح عينيّ على هذا التاريخ المجهول بفيلميه، وبرؤية ثاقبة، وكيفية إنتاج مناسب لفيلم تاريخي كبير. بالنسبة لي كممثل كان كل شيء في مكانه الصحيح».

من فيلم «الناصر صلاح الدين»
من فيلم «الناصر صلاح الدين»

اختلاف الطموحات بين الأفلام التاريخية

لا يمكن إغفال حقيقة أن الأفلام التاريخية- الدينية العربية كان لها حضور سابق لـ«الرسالة». نتحدّث عن «واإسلاماه» للأمريكي أندرو مارتون، الذي تم إنتاجه في مصر سنة 1961، وخاض بطولته لبنى عبدالعزيز (في دور شجرة الدر)، وأحمد مظهر، ورشدي أباظة، ويوسف وهبي، ومحمود المليجي، وكاريوكا، وعماد حمدين وفريد شوقي.

قبله بعشر سنوات، أقدم إبراهيم عزالدين على تحقيق «ظهور الإسلام» بإمكانات محدودة، مع كوكا، وعماد حمدي، وأحمد مظهر، وسراج منيرن بين آخرين. ثم بعد عشر سنوات على ظهور «واإسلاماه»، قام صلاح أبوسيف بإنجاز «فجر الإسلام» الذي استفاد من خبرة أبوسيف، ولو أنه، في النهاية، بقي إنتاجاً محلياً للسوق العربية.

هناك أيضاً «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين (1963)، الذي وظّف فيه المخرج أفضل طاقاته، وطواقمه، ما أسهم، بجانب اسمه المعروف، في انضمام هذا الفيلم إلى باقي ما تمّ ذكره، في عالم عربي كان يتطلّع إلى مثل هذه الأفلام الترويجية لمواضيعها، باهتمام كبير يناسب كل ذلك الجهد الذي شهدته هذه الأعمال.

أدركت السينما العراقية أن هناك طريقاً لإنتاجات تصبو للعالمية بموازين، ونُظم إنتاج برهن العقاد أنها ممكنة. في هذا الصدد، قام المخرج صلاح أبوسيف بتحقيق «القادسية» في عام 1981 بطلب من الحكومة خلال الحرب العراقية الإيرانية. الفيلم جاء كبير الإنتاج، كما أُريد له أن يكون، ركيكاً في نواحيه الفنية، ودعائياً في ما تبقى. مؤسسة السينما العراقية التي انتجته كانت التفتت سنة 1980 إلى المخرج المصري الآخر توفيق صالح، وأصرّت على أن ينجز «الأيام الطويلة» الذي عاد إلى تاريخ أقرب ليسرد جزءاً من سيرة حياة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

في عام 1983، قام العراقي محمد شكري جميل بإخراج فيلم «المسألة الكبرى» (1983)، عن ثورة العراقيين ضد الاحتلال البريطاني. جلب المخرج مدير التصوير جاك هيلديارد الذي كان عمل مع العقاد على فيلميه، والممثل أوليفر ريد الذي كان اشترك في بطولة «أسد الصحراء»، لكن هذه الأفلام بقيت محدودة الانتشار، ولم تتجاوز حدود العرض في بعض الدول العربية.

ما حدّ من انتشار هذه الأفلام عالمياً، هو معضلة الكثير من الإنتاجات العربية حينها، وهي سطوة «القضية» على المعالجة الفنية، إلى جانب أن العقاد فهِم وهضم قواعد الإنتاجات العالمية، أكثر من سواه.