15 ديسمبر 2024

عودة إلى أحد أبرز أفلام المخرج عاطف سالم.. «أم العروسة»

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

«أم العروسة» (1963)، لا يزال أحد أبرز الأفلام التي حققها المخرج عاطف سالم (1921-2002)، إلى جانب «قاهر الظلام» (1978)، و«البؤساء» (1978)، و«السلم الخلفي» (1973). الأبرز وليس بالضرورة الأفضل، خصوصاً إذا ما قورنت بالأفلام ذات الخط الاجتماعي، أو الاقتباس الأدبي، والتي حققها صلاح أبوسيف، وسعيد مرزوق، وسعد عرفة، في تلك الآونة.

الفيلم هو اقتباس من رواية لعبد الحميد جودة السحار، قام به السيناريست عبد الحي أديب، ووزع المخرج البطولة على عدد كبير من ممثلي، وممثلات الصف الأول، أمثال عماد حمدي، وتحية كاريوكا، ويوسف شعبان، وحسن يوسف، وعدلي كاسب، وخيرية أحمد، وسواهم.

حينها كان من المعتاد جمع الوجوه التي أثبتت حضورها الجماهيري بنجاح، خلال العقود الماضية. سينما الستينيات والسبعينيات شهدت مثل هذه الأفلام التي كانت رأس حربة الإنتاج لجذب الجمهور الكبير، و«أم العروسة» (على الأرجح)، كان أكبر نجاحات عاطف سالم.

النوع الذي ينتمي إليه الفيلم هو النوع الاجتماعي. الحبكة يمكن تلخيصها في وضع الموظف المشهود له بالأمانة عندما يضطر لاختلاس بعض المال من الشركة التي يعمل فيها، على أساس ردّه لاحقاً. السبب في ذلك أن ابنته ستزف قريباً، وهناك مصاريف عليه تحمّلها في هذا المجال، ولا يستطيع تأمين المبلغ من راتبه الشهري. هذا الوضع يشمل كذلك زوجته التي تدرك ما قام به زوجها، وتنظر إلى الوضع الماثل بحكمة، وحذر.

مجلة كل الأسرة

الفرصة متاحة هنا للحديث في جوانب عدّة: الوضع المعيشي للموظف «الغلبان»، والصداقة التي تدفع زميلاً له اكتشف الاختلاس فقام بسدّ بعضه، وحفل الزواج الكبير الذي لمّ شمل عائلتين في جو من الحبور والفرح، ثم الهمّ الكامن في ذات الموظف، بسبب ما قام بفعله، ولو أن النهاية ستكون من النوع الذي يبتسم للمشاهد، بعد تكويم كل المنغصات والصعوبات الماثلة.

هذا يأتي تماشياً مع سياسة الدولة حينها التي شجعت الأعمال الأدبية والسينمائية المتفائلة، لكنها لم تقف بالمرصاد لأفلام لم تتبع هذا المنظور، إلا في مرحلة لاحقة (السبعينيات)، ولعدد محدد من الإنتاجات التي تلت حرب 1967.

ما يؤكد ما نذهب إليه هنا، هو أن لصلاح أبو سيف عدة أعمال اجتماعية ارتفعت فوق المستوى العادي، (حتى إن عولجت بقدر من السرد التقليدي)، في تلك الفترة، لم تكترث لكي تنتهي بتفاؤل، أو ترسم ملامح نهاية سعيدة، ومن بينها «بين السماء والأرض»، و«الزوجة الثانية»، و«القاهرة 30».

طبعاً أفلام عاطف سالم لم تنزل إلى درك أفلام حسن الإمام التي- بالمقارنة- حملت الكثير من اللهو، وعناصر الترفيه، وأكثر من ذلك من نهايات سعيدة، أو أخرى تراجيدية، نظراً لهوى المخرج المذكور بالفواجع.

في المقابل، حافظ عاطف سالم على رقة المعالجة، وجدّية الطرح في أفلامه، الدرامية أو الكوميدية، على حد سواء. وكان لديه أسلوب عمل واقعي المنحى، من حيث تفضيله عدم الشطط في عرض مواقف شخصياته، بحيث يسكب عليها الهزل الشديد، أو الوقع المغالى في تأثرها بما يقع لها.

«أم العروسة»، بابتعاده كذلك عن الميلودراما، واقترابه من الحس الاجتماعي المصري ضمن الحبكة الجادة في قضيتها، أعاد تقديم المخرج على مستوى مرتفع عن كثيرين سواه، لم ينجزوا ما قام به من مزج الجدية بالترفيه.