«التعامل مع غير الموتى »، إخراج: تيا فستندال (النرويج، 2024)، هذا الفيلم هو الروائي الأول لمخرجته (والفيلم الطويل الثاني لها بعد عملها التسجيلي The Monkey and the Mouth)، متصل بخيط غير واهٍ مع فيلم رعب قصير حققته في 2019 بعنوان Children of Satan.
كلاهما فيلم ينقر على باب أفلام الرعب بالهدوء، والرزانة غير المتوقعة. هناك خوف دائم، وتوقع الأسوأ، لكن المخرجة لن تهدف إلى تسريع الإيقاع بحيث تنجز هذا الهدف. بذلك، الرعب الذي يتمحور في بعضه عن العائدين من الموت («زومبيز» أو خلافهم)، والذي تتعامل وإياه في الفيلم، هو رعب الإيحاء والتوقعات، وليس رعب المشاهد. حتى الموتى- الأحياء لا يشبهون أولئك الذين نشاهدهم في أفلام أمريكية. لا يمدّون أيديهم إلى الأمام، ويسحلون أقدامهم سعياً وراء طريدة.
في «التعامل مع غير الموتى» ثلاث حكايات متفرقة ينتقل بينها الفيلم بتلقائية: لدينا آنا (ريناتا راينسفي) تفقد إبنها، ديفيد (أندرز دانيلسن لي) يفقد زوجته إيفا (باهار بارس)، والعجوز تورا تفقد شريكتها إليزابيث (أولغا داماني). كل هؤلاء المفقودين توفوا في أوقات مختلفة، وكل منهم عاد إلى الحياة على نحو لم يتوقعه أحد، فضلاً عن إنه ليس سبباً معروفاً.
تدعم المخرجة هذه المفارقات بظواهر غريبة، مثل انقطاع الكهرباء، وانطلاق صفارات إنذار السيارات من بين أخرى. تصويرها للمدينة داكن كالحياة التي تعيشها شخصيات الفيلم. لكن ما هو أساسي هنا، حقيقة أن الفيلم يتناول وحدة المتصلين بالموتى. بالنسبة إلى آنا وديفيد هو موت مفاجئ، يتركهما في أسى بالغ. وبالنسبة إلى تورا، هو موت حدث قبل حين. الثلاثة مصدومون بالغياب المفاجئ، وبالعودة منه. تفرد المخرجة تيا مشهداً معبّراً لتيا، وصديقتها الصامتة إليزابيث، وهما ترقصان على أنغام أغنية نينا سايمون Ne Me Quitte التي كان جاك بريل أطلقها سنة 1959.
ليس فيلم الموتى- الأحياء الذي في بال المُشاهد، بل هو نظرة فاحصة للفعل وردّ الفعل حيال الغياب، والحضور. وهذا كله ضمن ألوان شاحبة، وإضاءة مبتسرة، ما يخلق جوّا بارداً، كبرودة الموتى فعلاً. بعد حين سيبحث المُشاهد عن الحدث، وليس عن الإيحاء، وهذا ما تؤخره المخرجة لثلث الساعة الأخيرة، أو نحوه، من دون أن ينجح الفيلم في تأمين موازاة بين الغموض والتشويق. إدارتها للفيلم جيّدة كمعالجة فنية. أقل من ذلك بقليل كدراما.