برع مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في تخطّي حدود المسرح التقليدي، ليقدم لنا شكلاً جديداً من العروض المسرحية التي تتفاعل مع البيئة المحيطة بها، وتستلهم جماليّاتها، وقيمها، فقد نجح المهرجان في تعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب، وإبراز دور المسرح في تنمية الوعي المجتمعي، وتشجيع المواهب الشابة في مجال المسرح.
حاورت «كل الأسرة» مخرجين مسرحيين من الذين شاركوا في مهرجان المسرح الصحراوي بالشارقة، ليتحدثوا عن تحدّياته، الفنية والإبداعية، والتي دفعتهم للبحث عن حلول مبتكرة، وتطوير أدواته الفنية، ليتحوّل كل عنصر طبيعي إلى جزء من المشهد، وكل صوت إلى موسيقى:
من مصر، يقول المخرج عادل حسن «منذ انطلاقة مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في دورته الأولى قبل 9 سنوات مضت، وجدتني مهتماً، كمخرج يتطلع للمغامرة في تجاربه الإخراجية بشكل عام، بضرورة السعي نحو المشاركة في المهرجان الذي يخرج بفن المسرح إلى طبيعة ساحرة في الصحراء، ما يتطلب تقديم عروض لها سمات خاصة في ما يتعلق بالمحتوى، والرؤية البصرية، وبما يتسق وثقافات أهل الصحراء. وهذا ما دفعني إلى مشاركة الكاتب د. محمد أمين عبد الصمد في الخروج بنص مسرحي يصل بنا إلى تقديم عرض يتفق وهوية المهرجان الذي تابعته عبر سنوات، باهتمام، وصولاً إلى المشاركة في دورته الثامنة هذا العام، بمسرحية (الزينة).. رحلة تمتد لستين دقيقة، نعرف فيها الناس والأمكنة في (سيوة.. الواحة)، صحراء مصر الغربية الغنية بحكاياتها وأسرارها التي يعرفها أهل الواحات، وليس آخراً. لإدارة المسرح في دائرة الشارقة للثقافة كل التقدير لجهدهم ودورهم في إقامة هذا المهرجان المغاير، بما له من أهمية، نعرف من خلاله تراثاً اجتماعياً وثقافياً وفنياً ممتداً في دول عدة، تلتقي سنوياً هنا في صحراء الشارقة التي تستوعب رؤى مغامرة لمبدعين عرب، لهم جميعاً كل المحبة».
يصف المخرج حافظ خليفة، مدير ومؤسس المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء بتونس، مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي بكونه «تجربة مسرحية متفردة بامتياز، وفيها ريادة، وجرأة في لفت أنظارنا إلى مخزوننا وإرثنا الثقافي، وهويتنا الصحراوية التي حاولت التجارب المسرحية العربية (ربما من دون قصد) تناسيها، فتنة، أو رغبة في تقليد المسرح الغربي. وعلى الرغم من محاولات الكاتب التونسي الكبير عزالدين المدني في تعامله مع التراث، والمخرج المغربي الفذ الطيب الصديقي من خلال مسرح الحلقة، وسعد الله ونوس من خلال المسرح الملحمي، وغيرهم من التجارب الخارجة عن السرب، للنهل والبحث من موروثنا الثقافي العربي، لكنها للأسف ظلت تجارب منقوصة، ومؤقتة، وتم تجاوزها بجيل أوغل في جلب تقنيات وأساليب درامية غربية، وظلّ المسرح العربي بمتاهة البحث عن الهوية في الشكل، والمضمون».
ويضيف «يأتي هذا المهرجان مقترحاً، وبشكل مباشر، وداعياً إلى العودة إلى الأصل لحكايا، وأساطير، ومضامين مجتمعاتنا التي جاءت من الصحراء، على الرغم من محاولات التنصّل المعاصرة. فقد نجح مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في إثبات أن العمل على تفاصيل الهوية الصحراوية مضموناً، وعلى الفضاء الصحراوي كشكل، بإمكانه أن يقدم مادة مختلفة، وأكثر قرباً منا، ومن ذواتنا وهمومنا، فأضحى المرآة التي تعكس تفاصيلنا، وأداة للمصالحة مع ماضينا، الذي في بعض الأحيان لا نعرفه من جراء حالة التمدّن الجغرافي والفكري الذي نعيشه، وربما لحالة التطبّع بنمط الحياة الغربية، ولهذا تميّز عن باقي المهرجانات العربية الأخرى، ولا أبالغ إن قوت العالمية، باعتباره واجهة صادقة لإرث حضاري، وبشكل فرجوي يشبهنا».
أما محمد الضمور، مخرج مسرحي أردني، فقد وصف تجربته في مهرجان المسرح الصحراوي، بأنها ليالٍ من العشق والفرح، والألفة والمحبة، ويؤكد «اغترفنا خلال ليالي المهرجان من تراثنا وتاريخنا، فكانت أجمل الحكايات والأساطير، فهذا المهرجان الفريد فتح للمسرح العربي آفاقاً جديدة في خياراته المسرحية بالتعامل مع فضاءات جديدة، حيث المكان المفتوح بكل تضاريسه الواقعية الخلابة، والذي يستفز المخرج لخلق عوالم وأدوات مختلفة، فيذهب برؤيته لتطويع العرض ليتناسب مع هذا الفضاء الجديد، والمختلف، ليقدم تجربة جديدة ومختلفة. ومن جهتي أتقدم بإعجابي وتقديري لهذه الفكرة (مهرجان يقام في الصحراء)، فهي فكرة رائدة على مستوى المسرح العربي، وأتاحت المجال لهذا النوع من الأعمال، فلولا هذا المهرجان ودعمه إنتاج هذه الأعمال لما كانت سترى النور. كما يتميز هذا النوع من المسرح بأنه قابل للعرض في الأماكن غير المؤهلة من حيث البنى التحتية، مثل الأرياف، والمناطق النائية. نعبّر نحن فريق المسرحية الأردنية (الديرة)، عن سعادتنا بمنحنا شرف المشاركة في هذا المهرجان المتميّز».