رغم الندوب ومحطات الانتظار.. الحياة تعود إلى شوارع ومسارح ومتاحف لبنان
يُقبل العام الجديد على اللبنانيين، ولم تكد الحرب في بعض أنحاء بلدهم تضع أوزارها، وهي الحرب التي تركت ندوباً عميقة عدّة تشوب مجمل حياة الناس، ونشاطاتهم على مختلف الصعد.. ولكن على ناصية هذه المحطة من الزمن، يقبل اللبنانيون على الاهتمام بتنظيم ما وسعهم من نشاطات وفعاليات تأكيداً لإصرارهم على النهوض ببلدهم من تحت ركام التردّي، بمختلف وجوهه، ومن صعوبة العيش إلى رحاب استعادة الأمل بحياة كريمة، ومستقرة، ومزدهرة.
متحف سرسق.. عين ساهرة لم تطفأ أضواؤه
.. واللافت حالياً في بيروت هو الاهتمام بالتعافي من خلال الثقافة والفنون، وخلق مساحات التلاقي، ومن أبرز الأنشطة هو تشريع أبواب المتاحف للزوار. وقد أعيد فتح أبواب متحف نقولا سرسق، قبل أيام قليلة، ودعت إدارة هذا المتحف الذي لم تُطفأ أنواره الخارجية خلال الحرب، كأنه العين الساهرة على المدينة، الناس إلى لقاء تفاعلي في الباحة الخارجية لهذا المَعلم، حيث ينظم «متجر المتحف» الخاص برأس السنة على وقع الموسيقى الحيّة، مضافاً إلى تنظيم جولة داخلية تجمع الكبار والصغار لمشاهدة مقتنيات المتحف، ومعرض الفنانين التشكيليين والنحاتين، وكذلك هناك عرض ثلاثي الأبعاد على الواجهة الخارجية للمتحف، لبعض الأعمال الفنية المعروضة في داخله. وتقول كارينا الحلو، مديرة المتحف، إن «ما نصبو إليه هو تجسيد المفهوم العصري والمتطوّر للمتحف، ودوره المتحرك في التفاعل مع ناسه»، مشيرة إلى «وجود ركن خاص للأولاد، وتنظيم ورش تدريبية تفاعلية لهم».
وفيما تعتبر الحلو أن موسم نهاية العام هو موسم الفرح والتعافي، فإنها تؤكد «من الآن وحتى السنة المقبلة 2025 لدينا روزنامة سخية بالمحطات الفنية، منها تنظيم معرض فني لأعمال الفنان التشكيلي الراحل عبد الحميد بعلبكي، إضافة إلى إقامة معرض مهيب لأعمال جبران خليل جبران، وما يرافقها من غوص في فضاء جبران، وعالمه المتشعب».
مسرح المدينة يعيد الروح إلى بيروت
من جهته، احتفل مسرح المدينة بإطلاق برنامجه الفني الجديد للتأكيد على أن الفنون قادرة على إعادة الروح للمدينة، وقالت مؤسسة ومديرة مسرح المدينة نضال الأشقر، إن «فضاء المدينة سيكون في مسرح المدينة ابتداء من 29 كانون الأول، حيث ستقام احتفالية مع فرقة الفنان الراحل زكي ناصيف في الجامعة الأمريكية، في بيروت، وستفتح الأبواب مجاناً للغناء، والعزف، والموسيقى. كما تحمل أجندة المسرح لقاءات ساحرة مع جورج خباز، ويحيى جابر، وزاهي وهبي، وعلي شحرور الذي سيقدم الافتتاح العالمي لمسرحيته الجديدة قبل ذهابه إلى «أفينيون»، وهناك عرض متميز مع راقصة الباليه ندى كانو، ولدينا محترف للأطفال الذي يقدم الفن والرسم وقصص الحكواتي، مضافاً إلى ندوات ومحاضرات حول أهمية المسرح، ودوره، ومساهمته في إيصالنا إلى شط الأمان».
بدوره استهل مسرح «مونو» عروضه بمناسبة الأعياد بمسرحية «نزل الميلاد»، وهي من تقديم فريق «ليه بوفون»، مع بطلته سينتيا كرم، مضافاً إلى «كواليس 2» الذي يجمع عدداً كبيراً من الفنانين، وأمسية «الحلم يستمر» مع الموسيقي فيديل زريبي، وفعاليات تتحقق تباعاً، وتستمر. ومن اللافت أيضاً فإن مسرح «اسطنبولي» أحيا «مهرجان لبنان المسرحي للحكواتي» في مدينة طرابلس، ويبدو أن عموم المسارح وصالات السينما قد عززت مكانتها بعد الحرب أكثر من ذي قبل، وأطلقت أجندات، منوعة وغنية، تبدأها في فترة الأعياد، وتستمر خلال عام 2025.
«متروبوليس» والتواصل مع حياة السينما
وقبل أيام أعيد افتتاح سينما «متروبوليس» التي كانت قد أقفلت أبوابها منذ سنوات عدة، بسبب الأزمات المتلاحقة، وافتقد اللبنانيون، مع إقفالها، العروض والمهرجانات السينمائية التي كانت تستضيفها السينما في قلب العاصمة، لمدة 36 عاماً، لكنها اليوم عادت إلى منطقة مار مخايل، وبحلّة جديدة. وفي ليلة الافتتاح تم عرض مجموعة أفلام قصيرة، وموسيقى حية، ولقاءات بين الناس وصنّاع السينما، وتقول هانية مروة، مديرة «متروبوليس»، إن هدف عودتنا هو إعادة إحياء التواصل بيننا وبين الناس، وموقعنا الجديد سيكون ملتقى دائماً مع المخرجين، والسينمائيين، والجمهور، في المبنى الجديد، وهو مصنّع، ويضم قاعتين، صغيرة للعروض المحلية، وكبيرة للمهرجانات السينمائية. كما أن الحديقة المحيطة بالموقع ستُستخدم للعروض السينمائية في الهواء الطلق. ويضم المبنى أيضاً قاعة «سينماتيك»، وهي كناية عن مكتبة يستطيع طلاب الجامعات والباحثون في موضوعات السينما استخدامها، وتضم مجموعة من الكتب، والمجلات، والملصقات، والأفلام الموثقة في الأرشيف.
وفي فترة رأس السنة برمجت «متروبوليس» أجندتها بما يناسب هذا الموسم من الكلاسيكيات، وعروض تحت عنوان «جواهر من الماضي»، وأخرى للأطفال حضورها مجاني، كما أنه من المتوقع أن تنطلق «متروبوليس» مع السنة الجديدة في برمجتها الخاصة بالمهرجانات السينمائية، وتستهلّها بـ«شاشات الواقع»، ومهرجان الأفلام الوثائقية، ومهرجان «السينما الإيطالية».
مدن لبنانية تتجدد
واستقبالاً للعام الجديد، فإن المناطق اللبنانية ارتدت حلّة العيد، وتزيّنت لتحدّي الأزمات، الاجتماعية والنفسية، وإدخال الفرحة إلى قلوب الناس. وقد تحولت منطقة البترون، في شمال لبنان، إلى لوحة مزخرفة بألوان العيد، وتحت شعار «ميلاد الأمل بلبنان» تعيش البترون هذه الأيام فرح نهاية السنة في أسواقها القديمة، وباحات كنائسها، وساحاتها، ما حوّلها «عاصمة الميلاد»، وجعلها مقصداً للرواد من كل المناطق اللبنانية.. وقد افتتح الموسم بنشاطات مختلفة، وافتتحت قرية العيد، ومعارض وأسواق خاصة بالمناسبة.
بدورها تحرص جبيل (مدينة بيبلوس)، على التجدّد في كل مرّة، وقد أطلقت هذا العام موقعها الإلكتروني «هيللو بيبلوس»، تحت عنوان «الأمل بيضوّي جبيل»، وافتتحت أسواقها، وأضيء الشارع الروماني، وزينت أشجاره، ولهواة المتاحف يحضر في هذه المدينة متحف الأسماك المتحجرة، ومتحف الشمع الخاص بالفن الحديث والمعاصر.
كما تقدم زغرتا نشاطات فنية وثقافية، وتحت عنوان «ليلة عيد»، يمكن للزوار المشاركة في الفعاليات التي تنظمها جمعية «دنيانا»، ويتخللها «قطار العيد» الذي ينظم جولات مجانية متعددة للأطفال في شارع زغرتا الرئيس، ويرتدي الشارع بدوره حلته وزينته، وتقدّم العديد من الأنشطة الترفيهية، والموسيقية.
قلب بيروت
وفي عودة إلى قلب بيروت، ينبض وسط المدينة بالحياة مع مهرجان «سوق البلد» الذي يضم فعاليات ترفيهية، وأكشاكاً تعرض منتجات متنوعة، ويمتد المهرجان طوال يناير المقبل، وأصبح مقصداً لعشاق أجواء رأس السنة إلى ما بعد انتهاء الموسم.
وتحولت منطقة بدارو، في بيروت، إلى وجهة ساحرة خلال هذه الفترة، حيث تنظم «قرية الميلاد» في السوق الذي يضم أكشاكاً مخصصة للهدايا اليدوية، والطعام، والحلويات، كما يضم عزفاً للموسيقى الحيّة، والأنشطة الترفيهية للأطفال. وازدانت أيضا منطقة الأشرفية بالفعاليات المختلفة، وأقامت مهرجانها الميلادي السنوي في ساحة ساسين، تحت عنوان «القرية الميلادية من أجل الأمل»، ويشمل المهرجان عروضاً موسيقية، وأنشطة ترفيهية، وأسواقاً ميلادية، وكذلك تزينت منطقة الحدث بـ «قرية الميلاد»، وعلى وقع الموسيقى أقيم معرض للمنتجات اليدوية والهدايا، وتشهد منطقة بعبدا أجواء الفرح وزينة الأشجار، ويقام في «باليرزة» مهرجان«كوز سبايس».
وفي مجال الرياضة والترفيه، نظمت جمعية «بيروت ماراثون»، بالتعاون مع بلدية جونيه وإشراف الاتحاد اللبناني لألعاب القوى، سباق الميلاد في الركض، بمشاركة 1250 عدّاء، وعدّاءة، من بينهم 250 من أولاد النازحين، وجميعهم ركضوا لمسافات 10 كيلومترات لفئة الإرادات والهمم القوية، و5 كيلومترات تنافسي لفئة النخبة، و3 كيلومترات للمرح، ولأجل أهداف خيرية تولّت رعايتها «أكوافينا»، قرع المشاركون أجراس الفرح انطلاقاً ووصولاً من الملعب الرياضي لمجمع الرئيس فؤاد شهاب في جونيه، مروراً بعدد من شوارع المدينة، خصوصاً السوق القديمة بطابعها الأثري.