فرنسا انتخبت ملكة جمال تجاوزت الثلاثين.. هل هناك عنصرية وراء استبعاد المرشحة الجزائرية؟
لم تمر مناسبة انتخاب ملكة جمال فرنسا مرور الكرام، ولم ينحصر الحديث عنها في إطار مواصفات الجمال وسمات المرشحات، بل اتخذت منحى آخر مثيراً للجدل وحتى الاستهجان أحياناً.
لا شك أن قرار لجنة التحكيم كان صعباً، خصوصاً أن الجمهور شارك في التصويت، وكان لرأيه النصف من مجموع النقاط. سبب الصعوبة وجود أكثر من مرشحة تتمتع بمواصفات جمالية عالية وتستحق تاج الجمال الفرنسي لعام 2025. والسبب الثاني هو المنافسة التي انحصرت بين مرشحة شقراء من أصل جزائري تبلغ من العمر 18 عاماً وبين مرشحة خلاسية، أي سمراء من المستعمرات الفرنسية في البحر الكاريبي تبلغ من العمر 34 عاماً. الأولى تدعى صباح والثانية أنجيليك.
بعد ترقب واستعراضات على مسرح شاسع في مدينة «بواتييه» جنوب البلاد، تم إعلان فوز أنجيليك، التي دخلت المسابقة باعتبارها ملكة جمال جزر المارتينيك الفرنسية. جرت المنافسة بين 30 حسناء سبق أن فازت كل واحدة منهن بلقب ملكة جمال المقاطعة التي تقيم فيها. وكما يجري في مثل هذا النوع من المسابقات، علت الدهشة وجه أنجيليك، ونزلت دموعها من وقع الفرح والمفاجأة. أما صباح فقد افتعلت ابتسامة طبيعية، وتقدمت لتعانق الفائزة التي تفوقها لا في العمر فحسب، بل وفي طول القامة. كانت الملكة الفائزة مثل شقيقة كبرى تحتضن أختها الصغيرة.
تعليقات ورسائل عنصرية
في اليوم التالي حلّت صباح ضيفة على أحد البرامج الشهيرة في التلفزيون الفرنسي، وكررت الحديث عن التعليقات والرسائل العنصرية التي وصلتها حال فوزها بوشاح الجمال في مقاطعة شمال فرنسا. قالت إنها لا تفهم سبب الهجوم عليها، فهي مولودة من أب جزائري وأم مغربية، لكن والديها من مواليد فرنسا، وكذلك جدّاها. لذلك تعمّدت أن تشير إلى أصلها العربي وهي تقدم نفسها للجمهور في الحفل النهائي؛ حيث يسمح لكل متسابقة بالتعريف بنفسها بعبارات مقتضبة لا تتجاوز دقيقة واحدة. وقد بدأت التقديم بشرح معنى اسمها، صباح، وعبرت عن أملها بأن تكون أول ملكة جمال لفرنسا من أصل مغاربي.
هل كانت تلك العبارة تحدياً في غير محله؟ وهل خسرت التاج بسببها، لأن هناك مشاعر عنصرية ضد المهاجرين المسلمين؟ لا يمكن الرد بشكل قاطع لأن صباح نالت النسبة الأعلى من تصويت الجمهور. وكان التصويت يجري عبر موقع إلكتروني. أما أنجليك فقد نالت أصوات لجنة التحكيم المؤلفة من 6 سيدات شهيرات، برئاسة المغنية الثمانينية سيلفي فارتان. ولو كانت هناك شبهة عنصرية لما فازت بالتاج متسابقة ذات بشرة غامقة السمرة.
تعالوا نجد الجواب في سن ملكة الجمال الجديدة، فهي قد تجاوزت الثلاثين، أي أنها أكبر من أغلبية المرشحات بأكثر من 10 سنوات. لكنها بفعل الخبرة عرفت كيف تقدم نفسها للجمهور بصوت واثق وشخصية جذابة. قالت إنها نظراً لعمرها المتقدم لم تتوقع وصولها إلى التصفيات النهائية، ثم أضافت: «أنا أمثل طائفة واسعة من النساء اللواتي يتصورن أن الزمن قد فاتهن».
تدور في فرنسا، والعالم الغربي كله، تساؤلات عن الجدوى من هذا النوع من المسابقات. ولطالما نددت بها جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة والمناضلات النسويات باعتبارها تستهين بالنساء وتجعل منهن سلعة مكشوفة للعرض على المنصات، كأننا ما زلنا في سوق الجواري. لذلك تميل شركات تنظيم هذا النوع من الحفلات إلى درء الشبهة عنها وإضافة فقرات تركز على وعي المتسابقة ولباقتها في الحديث وقدرتها على الرد على أسئلة في الثقافة العامة يطرحها أعضاء لجان التحكيم. أي أنها تمتلك عقلاً جميلاً وهي ليست جسداً متكاملاً ووجهاً صبوحاً فقط. بل إن اللجنة التي تتولى تنظيم مسابقات ملكة جمال فرنسا منذ أوائل القرن الماضي، حرصت على إجراء اختبارات للمتقدمات في عدد من المواضيع كالتاريخ والفن والإملاء وحتى السياسة.
نجحت أنجليك أنجارني أنغارني فيليبون على طول الخط، بفضل خبرتها في الحياة والتنقل في مهن مختلفة آخرها مضيفة طيران. لقد أبهرت اللجنة بقامتها وملامحها المميزة ونظرات عينيها وبتلك الابتسامة التي تجعلك تشعر بأن الدنيا كلها تشاركها الضحك. مع هذا فإن كثيرين استغربوا فوز ملكة ثلاثينية حتى ولو امتلكت كل مواصفات النجاح. وهي كانت في مقابلات صحفية سابقة قد كشفت عن كونها امرأة تشبه عموم النساء، عانت اكتئاباً ومرّت بقصص حب فاشلة وتنقلت في البلاد، قبل أن تقرر في العام الماضي ترك باريس والذهاب للعيش في قرية أجدادها. والغريب أنها لا تعتبر نفسها جميلة.
العمر رقم.. ولم يفت الأوان
جاء فوز أنجيليك ليؤكد أن العالم تغير، أي المجتمع، وقد شمل التغير أفكار الرجال والنساء وملكات الجمال وكل أولئك الذين يصوتون لهن. وحتى عام 2022 كان من شروط المسابقة ألا يتعدى عمر المرشحة 25 عاماً. ثم تم إلغاء ذلك الشرط. وهي المرة الأولى التي تنال فيها متسابقة من جزر المارتينيك لقب ملكة جمال فرنسا. وحينما نالت اللقب في جزيرتها شعرت بالفخر لأن هناك احتمالاً بأن تتوج بتاج الجمال الفرنسي. بعد ذلك نظرت إلى صور منافساتها الشقراوات وتملكها القلق. تصورت أن فوزها بعيد ومستحيل. لكنها طمأنت نفسها بأن مجرد خوض التجربة مفيد لها حتى لو لم تفز. وطوال أشهر التصفيات كانت تتلقى رسائل تشجيع من نساء من مختلف الفئات، يحكين لها عن رغبتهن في تغيير نمط الحياة، أو مكان العيش، أو تغيير العمل الذي يمارسنه دون ولع حقيقي، وعن الشجاعة التي تعكسها لهن من خلال مسيرتها التي تؤكد لهن أن لا شيء مستحيل وأن الأوان لم يفت بعد.
«المهرة الصغيرة»
لا تشعر ملكة جمال فرنسا لعام 2025 بأي نوع من الرغبة في الثأر أو الانتقام مما فات في نشأتها المتواضعة أو من نظرات الاستهجان التي قابلها بها بعض العاملين في حقل المسابقة، وتقول إنها كانت ضئيلة القامة حتى الصف الثاني الابتدائي وكانت أسنانها مائلة للأمام، بحيث إن رفاقها أطلقوا عليها لقب «المهرة الصغيرة». وبعد ذلك بدأت قامتها تأخذ مداها لكنها لم تكن متفوقة في المدرسة وذهبت لتعمل منذ سن 17 سنة. كانت تقيم في أبيدجان ثم هجرت المدينة بعد فشلها في علاقة حب وشعورها بالحزن الشديد. وصلت إلى فرنسا وواصلت العيش والعمل في ضاحية باريس الجنوبية، أي في أحياء محدودي الدخل.
عاشت أنجليك عدة أنماط من الحياة ومارست عدة أعمال حسب ما كان يتاح لها، مرة في شركة للتأمين ومرة مضيفة في شركة «كورسير» للطيران. ومنذ سنة احتاجت إلى العودة لموطنها الأصلي في الجزر الدافئة البعيدة. إنها تحب أن تترك نفسها للريح تأخذها حيثما شاءت. من كان يتوقع أنها سترتدي الوشاح الأزرق وتحمل على رأسها تاجاً ثميناً وتمضي سنة كاملة في مباهج لقب ملكة جمال فرنسا؟ حلم تحقق بعد انتصاف ليلة الأحد 15 من الشهر الجاري.
اقرأ أيضاً: ما المزعج في شعر ملكة جمال فرنسا الجديدة؟ ولماذا أثارت ضجة كبيرة على مواقع التواصل؟