29 ديسمبر 2024

«السنع» الإماراتي وثقافة إتيكيت الحديث.. وجهان لعملة واحدة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يُعد التواصل مع الآخرين فنّاً بحدّ ذاته، إلا أن هناك من يعاني عدم القدرة على إدارة الحديث بشكل جيد، فيسلك طريقين لا ثالث لهما، إما أن يلتزم الصمت، وبالتالي يغيب عن الحضور، وإما يتحدث كثيراً، ويستعرض معلوماته بشكل مفرط، ما يجعله يفتقر إلى السنع الإماراتي الذي يعد إتيكيت إدارة الحديث جزءاً منه.

رقية البلوشي
رقية البلوشي

في البداية، تستعرض رقية البلوشي، مستشار مهني وشخصي، معنى السنع الإماراتي «يعرف السنع بأنه حزمة من العادات والتقاليد التي تركز على تعليم كيفية التعامل والتصرف مع الآخرين، كذلك يعني مصطلح إتيكيت إدارة الحوار التعامل مع الآخرين بود، واحترام، وهدوء، مع فهم ووضع الحدود الصحية للحديث معهم، وتجنب الكلام عن أمور نجهلها، أو نقتحم الحدود الشخصية للآخرين، والتحدث بما نفهمه بالتفصيل، مع التوازن بين الصمت تارة، وإكمال الحديث تارة أخرى، إضافة إلى التحدث بصوت متزن بعيداً عن الصوت الخافت، أو العالي، كل ذلك يضمن تحقيق فن إتيكيت الحديث، وبما أنه قد يكون لفظياً، أو كتابياً، أو رسالة نصية أو صوتية، فذلك لا يعني اختفاء هذا الفن، بل توليفة وفق هذه الأشكال المختلفة».

وتضيف «كل شيء قابل للتعلم، والتطوّر، والتغيير، ولكن لا شك في أن هناك طرقاً وآليات سهلة تسهم في التعليم السريع. ولتبسيط الموضوع، بشكل عام، كلما كان التعامل سلساً وسهلاً، ومن دون أذى، أو جرح للطرف الآخر عمداً، فهو ضمن الإتيكيت الصحي المطلوب، والذي أطلق عليه مسمّى الإتيكيت الاجتماعي».

مجلة كل الأسرة

الإتيكيت في ديننا الحنيف

يستمد الإتيكيت قواعده من الإسلام، فكيف تطرّق الدين الحنيف لإتيكيت الحديث؟ تجيب رقية البلوشي «لا حياة من دون وجود دين، أو منهج متبع، فهي فطرة بشرية، وحين ورد في القرآن والسنة ذكر مناهج التربية وفرض أحكام وشروط في بِر الوالدين، واحترام الضيف، وتوقير الكبير، والعطف على الصغير، ورد أيضاً ذكر كيفية التعامل مع الآخرين، وغيرها الكثير. فالإتيكيت الاجتماعي هو أسلوب حياة، وليس مجرد منهج يدرّس مرتبط بطريقة استعمال الشوكة والسكين، وما يرتبط بالملبس، والمظهر العام، بل هو أعمق من ذلك بكثير، فهو هويتك كإنسان حقيقي ذي خلق، ومبادئ، كما أنه ليس كما يعتقد البعض، وجهاً للتكلّف والتصنع، بالعكس، هو عفوية الإنسان، وطبيعته، مع وضع الحدود التي تفرض عليه الرقي في التعامل، فيصبح قدوة جميلة للآخرين».

الإتيكيت في بيئة العمل لابدّ من تطبيقه وفهمه وإدراكه بالشكل الصحيح

يقودنا الحديث إلى نقطة مهمة تتعلق باختلاف البيئات التي يطبّق فيها هذا الفن «يخضع الإتيكيت، وفن التعامل مع الآخرين، لكثير من العوامل، الخارجية والداخلية، فهناك إتيكيت خاص بالعمل، والدعوات الرسمية، والدعوات الاحتفالية، والعزاء، ومع الأهل والأصدقاء، وغيرها الكثير، فلكل مقام مقال. فمثلاً الإتيكيت في بيئة العمل يعتبر من أهم أنواع الإتيكيت الذي لابد من تطبيقه، وفهمه، وإدراكه، لربما في بعض الأحيان عدم فهم نقطة بسيطة ممكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية على المدى البعيد. وجدير بالذكر أن فهم إتيكيت العمل لا يعني أن يكون الشخص تابعاً، أو من دون شخصية واضحة، أو لا يبدي رأيه، بل يمارس دوره بالطريقة الصحيحة، وبالتالي يحفظ حقوقه، ويعرف واجباته، فالكثير يعتبرون العمل بالنسبة لهم الأسرة الثانية، لكن المفاهيم تغيّرت، وأصبح ولاء الموظف لنفسه أولاً، وفهم الأساسيات يسهم في التطوير الشخصي، والمهني وبالتبعية يساعد على الإبداع، ومن ثم زيادة الإنتاجية».

مجلة كل الأسرة

وفي ما يتعلق بعدم معرفة بعض أبناء الجيل الحالي السنع وإتيكيت الحديث تقول «للأسف أصبحت كثير من البيوت تعاني هذه المشكلة، أو لربما تعتبر مشكلة جيل الألفية، ولعدم الاستمرار فيها ينبغي على الوالدين، الاهتمام بهذا الجانب، وجعله قدوة يتعلمها الأبناء بالممارسة، وليس بالأوامر والنواهي. والدولة مشكورة بدأت بمبادرات كثيرة تحت مسمى «السنع»، تحث على تعليم الجنسين، من الذكور والإناث، الأسس التي تربّى عليها المجتمع، وتعتبر ضمن حدود الاحترام، والإتيكيت الاجتماعي، ونصيحتي أن يضع الشخص لنفسه موقفين، أو ثلاثة، وليكن واحد عن إتيكيت الحديث مع كبار السّن، ويطبّق عليه أسس السنع، وما تربّى عليه المجتمع الإماراتي، ويبدأ بتدوين التغيير الإيجابي، وإدراك حقيقة مهمة وهي أن الأمر يتطلب وقتاً، وجهداً، وطاقة، وحباً، ورغبة، ونية واضحة للتغيير».