من تجاوز الخمسين سنة من العمر، وكان يشدّ الرحال للسفر في سنّ مبكرة، يتذكّر كيف أن الرحلة من دبي إلى باريس، أو من لندن إلى سان فرانسيسكو، كانت عبارة عن أكل، ونوم، وانتظار. بعد ذلك دخل الترفيه صناعة الطيران السؤال هو: كيف كنا نسافر من دونه؟ على هذا السؤال يجيب المخرج السويدي روبن أوستلند.
The Entertainment System is Down، «نظام الترفيه معطل»، هو عنوان الفيلم المقبل الذي يقوم المخرج السويدي روبن أوستلند، بتصويره حالياً.
العنوان هو ما يظهر على شاشات المقاعد في الطائرة، إذا ما تعرّضت نظُم الترفيه لخلل يمنع البث.
الرحلة طويلة من غربي الولايات المتحدة إلى أوروبا، والركاب جميعاً تعوّدوا مشاهدة ما تعرضه محطات الطائرة من أفلام وبرامج، ترفيهية أو رياضية، أو أخبار، أو أغانٍ، وموسيقى. هكذا اعتادوا، وهكذا يتأمّلون في زمن قلّ فيه عدد من يعمد إلى الكتب ليقرأها. إنه الزمن ذاته الذي لم يعد بالإمكان مطالعة الصحف والمجلات، فهي محدودة، أو ممنوعة في الرحلات الجويّة.
الفيلم ناطق بالإنجليزية ويزيّنه عدد من نجوم السينما الحاليين، من بينهم وودي هارلسون، وكيانو ريفز، وكرستن دنست، وسامنتا مورتون ودانيال برول، وجووَل إدجرتن.
السؤال الظاهر الذي يطرحه الفيلم الجديد: ماذا يفعل الركّاب في رحلة تستغرق 10 ساعات، أو أكثر، ما بين عاصمتين متباعدتين؟
أنماط حياتنا.. في الظاهر والباطن
السؤال الضمني هو: ماذا فعل حب الترفيه بنا بحيث لم نعد قادرين على الحياة من دونه؟
هذا السؤال من مخرج تخصّص في الأسئلة الصعبة، كما حاله في «الميدان» (The Square) سنة 2017، و«مثلث الحزن» (Triangle of Sadness) في 2022. كلاهما نال السعفة الذهبية من مهرجان «كان» العريق. وكل منهما ألقى نظرة ساخرة على أنماط الحياة التي نعيشها اليوم.
في «الميدان» شاهدنا أوستلند ينبري لمعالجة غير متوقعة لتقديم حكاية مشرف على متحف في ستوكهولم يتعرّض لسرقة محفظته وهاتفه المحمول، وهو في طريقه إلى عمله. فهو في سبيل حضور احتفاء فني يدعو فيه الناس إلى تحمّل مسؤولياتهم حيال الفن، والمجتمع. الفيلم، في جزء منه، يدور حول كيف أننا قد نفقد بوصلة الفعل الصحيح حال وقوع حادث مفاجئ. بطل الفيلم (كليز بانغ) يتصرّف من دون وعي، ويجد نفسه سريعاً مع مديري المتحف الذين صرفوا ميزانية كبيرة على هذا المشروع.
في فيلمه التالي، «مثلث الحزن»، انتقل إلى سؤال آخر يوجهه إلى مشاهديه.
دار الفيلم أساساً حول الشاب كارل الذي تم قبوله للعمل كعارض أزياء (هاريس ديكنسن)، وصديقته يايا (شاريبي دين). يبدأ الفيلم بمشاهد ساخرة لعملية انتقاء المرشّحين للعمل كعارضي أزياء، ثم ينتقل بكارل وصديقته، إلى عشاء في مطعم. الطاولة ليست الوحيدة التي تفصل بينهما، بل أيضاً منهج تفكير يرمي إلى طرح موضوع التوازن الذي يبدو مفتعلاً في علاقات اليوم. فهو يصرّ على أن تدفع هي ثمن العشاء. وعندما توافق بعد تردّد يصر على أن يدفع. بين الموقفين وتبعاتهما هناك ما يبدو نزعة غير ناضجة لتأكيد الذات الذكورية أو، بنظرة أكثر شمولاً، نزعة صوب فرض معاملة بالمثل، يلجأ إليها الطرفان في عالم اليوم.
بعد ذلك هما على ظهر يخت في عرض البحر، حيث يستعرض المخرج شخصيات متعدّدة من ذوي الثراء. كارل ويايا، لا ينتميان إلى تلك الزمرة، لكنهما لا يمانعان ممارسة حلم التقرّب والتماثل، بما أنهما مدعوّان (مجّاناً) لذلك. عبر هذا كله يرسم الفيلم صورة عن الطبقات، وسوء التصرّفات حين الأزمات، وكيف يعيش البعض منا في أوهام ترضيه.