30 ديسمبر 2024

فيلم «الحديث عن الأشجار».. محاولة سودانية لإحياء السينما

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

يسجل للمخرجون السودانيون، قدامى وحديثون، المثابرة على تحقيق الأفلام رغم كل المشاكل البيروقراطية والمادية والفنية التي تعرقل الإبداع وتحد من القدرات. هذا الفيلم «الحديث عن الأشجار»، من إخراج: صهيب قسم الباري، السودان (2019)، تسجيلي «سينما» | ألوان- 68 د، وهو ليس حكاية خيالية، بل يصب في مجمل ذلك التاريخ من المحاولات والإجهاضات.

مجلة كل الأسرة

يعكس العنوان المختار سخرية واضحة. الحديث ليس عن الأشجار وليس عن حالة الطقس وليس عن إيجار الشقق والمنازل، بل عن السينما السودانية التي أُهملت طويلاً من بعد أن وعدت قبل أربعين سنة أو نحوها بعطاء مدهش. كذلك عن غياب صالات السينما في السودان الذي صاحب غيابها في دول أخرى ولو على نحو أقل تأثيراً. وهو يتداول سعي عدد من المخرجين السودانيين لاستعادة المبادرة وإحياء دار عرض لهواة السينما. مثل هذه الدار، يعلمنا الفيلم، كانت موجودة في الخمسينات والستينات لكنها اضمحلت لاحقاً بسبب طغيان التشدد من ناحية والرقابة الصارمة من ناحية أخرى.

مجلة كل الأسرة

الرقابة الصارمة ما زالت حاضرة. نراها عندما يلتمس المخرجون المتعاونون على تحقيق هذه المحاولة (منار الحلو وإبراهيم شدّاد والطيب المهدي وسليمان إبراهمي) الإذن بعرض فيلم مختلف فينبري المسؤولون لوضع شروط مختلفة هدفها ماهية الفيلم ومصدره وما يسرده، للتحقق في ما إذا كان مسموحاً به لدواعٍ أمنية. كل ذلك في سبيل عرض واحد. هنا يتركنا الفيلم أمام ما الذي يمكن لهؤلاء مجابهته من تحديات فيما لو كانت طموحاتهم تأسيس جمعية سينمائية فاعلة أو أن يحقق كل منهم (أو أحدهم على الأقل) فيلماً جديداً قبل فوات أوان العمر؟

على أساس من هذا الواقع يبدو الحديث الذي ابتدعه بعض الكتّاب (ولو بدافع التأييد) من أن الفيلم «يُبشر بولادة سينما سودانية جديدة»، دخولاً آخر في متاهة، فهو فيلم رثاء وليس فيلم تبشير. فيلم عن واقع قاسٍ وليس فيلماً عن نبوءات وتمنيات. وفوق ذلك، يعلمنا بالعقبات والمصاعب ولا ينتهي بأمل زوالها. للفيلم سرد ثابت في هدوئه وإيقاعه. ينتقل بمشاهديه صوب مقابلات مباشرة مع مخرجي الأمس الذين حققوا أفلامهم في الستينات والسبعينات (مثل «تمساح» لإبراهيم شدّاد و«المحطة» للطيب المهدي) وعرضوها في المهرجانات الإقليمية والعالمية بنجاح، (كذلك فعل هذا الفيلم). ويثري الفيلم نفسه بمشاهد من تلك الأفلام وبذكريات الماضي الذي توقف. كل ذلك والتحدي الكبير أمام تحقيق غاية نبيلة واحدة كعرض فيلم مختلف عن السائد (بل ربما عرض أي فيلم) بات من المهام الصعبة التي لا مجال للحلم بها فما بال تحقيقها؟!

المخرج صهيب قسم الباري
المخرج صهيب قسم الباري

كل ذلك برقّة بالغة كما لو كان الفيلم يبث هياماً صوب الحبيبة. والسينما ليست موضوعه فقط، بل حبيبته أيضاً.