هل الحياة بين أي زوجين صفحة بيضاء لا تشوبها نقاط غامضة؟ وهل يتعين على كل واحد منهما أن يصارح شريكه بكل أسرار حياته؟ لعل الأمر مطلوب من المرأة بشكل خاص، في حين يمارس كثير من الرجال الحق في إخفاء قضايا معينة عن الزوجة، تتعلق غالباً بعلاقات سابقة أو بأسرار العمل. وهناك من لا تعرف زوجته كم يملك، وهو يحتفظ بأكثر من حساب مصرفي ويطلعها على رصيد واحد منها فحسب.
في الغرب تختلف الأمور، حيث تتعدد الأسرار بين المتزوجين. لكن المال، أو الممتلكات، يبقى الأول في القائمة. وقد لا يدقق أي من الطرفين في ماضي الشريك أو الشريكة، لكن السر قد يكون في علاقة تستمر بعد الزواج، أو تنشأ بعد سنوات منه. وهذا ما كشفه استطلاع لصحيفة نسائية فرنسية قامت محررتها باستجواب مجموعة من النساء، وسألت كل واحدة: هل هناك في حياتك أمر تحرصين على إخفائه عن زوجك؟
تعددت الإجابات، ونشرت المحررة التحقيق على حلقات، مع تغيير الأسماء الحقيقية طبعاً. وتراوحت الردود ما بين أسرار تافهة أو خطيرة، أو أفعال سابقة تبعث على الخجل وتأنيب الضمير. ويبلغ الكتمان أحياناً أن صاحبة السر تمحوه من رأسها وتنكر حتى مع نفسها أنها قامت بتلك الفعلة. فهناك من تخفي عن زوجها أن والدها يملك أراضي وعمارات وهي سترث منه ثروة محترمة. وهناك من قررت ألا تخبر زوجها بأنها التحقت بفريق للإنشاد تمارس فيه هوايتها في الغناء، إنها تعشق الغناء وتعتبره المتنفس الوحيد في حياتها الكئيبة، لكنها تتوقع أن الزوج سيعتبر الأمر خروجاً على طاعته. وقالت أخرى إنها أخفت عن زوجها أنها أجرت عملية لشفط الدهون من ساقيها قبل الزواج. لكن أخطر الاعترافات كانت ما يتعلق منها بالخيانة الزوجية. وأغربها حكاية ماري وزوجها جان بول.. فما هي؟
قبل خمس سنوات اشترى الزوجان المنزل الذي كانا يحلمان به. إنه فيلا صممها مهندس معروف، تقع فوق هضاب مدينة «نيس» الفرنسية وتطل على البحر من بعيد. وهناك جناح كبير للنوم مع حمام خاص للوالدين، مع صالون ومطبخ عصري مجهز بكل ما يلزم وغرف واسعة لباقي أفراد العائلة وحديقة تظللها الأشجار وفي طرفها بركة للسباحة. تبلغ ماري من العمر 63 عاماً وزوجها 67 عاماً وهما قد اشتغلا طوال عمريهما في وظائف إدارية ومالية شاقة في باريس لكي يجمعا ما سمح لهما بتحقيق هذا الحلم مع حلول موعد خروجهما على التقاعد. ومن المعروف أن أسعار العقارات في «نيس» وباقي مدن سواحل ومنتجعات جنوب فرنسا هي الأعلى والأكثر طلباً.
سمح شراء الفيلا للزوجين بأن يقضيا إجازات من النوع الراقي طوال العام. نزهات في الغابات القريبة واسترخاء على رمال الشاطئ وجولات بالدراجة في الصباحات الندية وتجول في الأسواق ومتاجر الأزياء الجميلة وعشاءات على ضوء الشموع في مطاعم السمك الشهيرة في تلك البقاع. وأحياناً كانا يبقيان في البيت ويجهزان منقلة الفحم لإعداد حفلة شواء في الحديقة، الرأس للرأس كما يقول الفرنسيون، أي بدون شخص ثالث أو ضيف من الأهل والجيران. كانت حياة فاخرة من حيث المظهر، أما في الحقيقة فإن ذلك الطلاء البراق كان يخفي سراً مبهماً. وهو أن للزوجين ولدين شابين وهما قد أخفيا عنهما خبر شراء هذا المنزل. ويقول جان بول إنه يعيش تحت وطأة هذا السر.
تقول ماري: «يعرف الولدان أننا انتقلنا من باريس للإقامة في جنوب البلاد. حالنا حال الكثير من المتقاعدين الميسورين الهاربين من صقيع العاصمة والباحثين عن شمس تدفئ العظام المتعبة. لكن الولدين يتصوران أننا استأجرنا شقة من أحد أقاربنا في المنطقة». لماذا لا يصارحانهما بالحقيقة ويدعوانهما للتمتع بمنزل العائلة الجديد؟ السبب هو أن الشابين اعتادا حياة منفتحة وهما سيحولان المنزل إلى فندق لاستضافة الصديقات والأصدقاء. إضافة إلى أنهما لا يحافظان على الترتيب والنظافة ويحتاج كل منهما لمن يلملم ثيابه المتسخة وجواربه وأعقاب سجائره من المنافض. وهنا يتدخل جان بول في الكلام ليؤكد أن ولديه ليسا سيئين وهما قد تجاوزا الثلاثين لكنهما يواصلان العيش في طور المراهقة. شابان لطيفان لكن العيشة معهما لا تُحتمل في فيلا من هذا النوع الراقي حتى لو كانت إجازة صيفية لأسبوع واحد.
كيف لم ينتبه الشابان إلى إجراءات شراء الفيلا؟ لقد أمضى الزوجان عدة أشهر في زيارة مكاتب الدلالين ومتابعة مواقع البيع والإعلانات على «النت» لحين العثور على الدرة المطلوبة. لكنهما في لحظة توقيع العقد قررا إخفاء الأمر عن ابنيهما. كان الهدف الابتعاد عن ضجيج باريس وزحامها والتمتع بالهدوء والطقس الدافئ، وبالأخص القطيعة مع نمط عيشهما السابق، حيث كان بيت العائلة حضناً لأصدقاء الولدين ليل نهار. لم يكن لهما الخيار ولا فرض أوامرهما على شابين طويلين عريضين. هذا بجانب تحضير الطعام لهما وتنظيف ما يتركانه من مخلفات، وغسيل الثياب المتراكم يومياً. لقد بلغ السيل الزبى لدى الزوجة، خصوصاً أنها تأخذ على زوجها تساهله مع ابنيه، وعدم قدرته على ضبط فوضاهما.
تشعر ماري بكثير من التوتر بسبب هذا السر. وكانت تتمنى لو يتمتع ولداها معها بالأجواء الساحرة للجنوب، والرفاهية المتوفرة في الفيلا الفاخرة. لكن ليس من المقبول إخبارهما بشراء المنزل ثم منعهما من زيارته والإقامة فيه بحجة الحفاظ على هدوء المكان وتنظيمه. فهما قد يغضبان غضباً يؤدي إلى القطيعة معهما. لهذا داست على قلبها واختارت الصمت. وهما قد احتفظا بشقتهما الباريسية التي ينتقلان لها بين الحين والآخر للتردد على الطبيب أو لحضور مناسبة فنية. لكن حتى هذه الشقة تحولت إلى مستعمرة للابن الأصغر الذي استولى عليها وفرش في غرفها حاجياته. وكان الحل هو اتخاذ قرار بيع الشقة وترك الولدين يستقلان، كل بمعيشة منفردة، ويدبران حياتهما مثل الشباب في سنهما. لكن كيف يبرران للولدين بيع البيت والاحتفاظ بثمنه دون شراء بيت آخر يجمع فيه الزوجان أثاثهما وذكرياتهما التي تجمعت على مدار الزمن؟
مما يزيد الطين بلة أن ماري كانت متزوجة من قبل ولها ابنة من زوجها الأول، وللابنة طفلان، أي لها حفيدان. وقد أبلغت ابنتها بخبر الفيلا وائتمنتها على السر باعتبارها ستكون من الورثة. إن البنت قريبة جداً من والدتها وليس بينهما أسرار. وبهذا فإنها وزوجها والحفيدين يمضون إجازات الصيف في فيلا «نيس» على رمال البحر المتوسط مع الجدة ماري، دون علم الأخوين. وتشعر البنت بتأنيب الضمير لأنها تحب أخويها وكانت تتمنى لو اجتمع الشمل كل صيف في البيت الكبير، أو في عيد رأس السنة.
ما يؤرق ماري هو السيناريو الذي ترسمه لما سيحدث بعد وفاتها.. حين يستدعي المحامي ولديها وابنتها لكي يطلعهم على حصة كل منهم من تركة الوالدة. أي مفاجأة ستكون؟ وهل تستطيع البنت أن تنكر معرفتها بأمر الفيلا وأنها كانت تتردد عليها مع أسرتها؟ ألا يمكن لهذا الاكتشاف أن يزرع خلافاً وقطيعة بين الأولاد؟ يبدو الأب مشغولاً بتمضية أيام تقاعده في استرخاء لا يكدره موضوع الموت والورثة والتركات. لكن ماري تعيش قلقاً متواصلاً وتشعر بأنها تجلس على قنبلة موقوتة ستنفجر بعد مماتها، أو ربما خلال حياتها بسبب زلة لسان. كم يمكن للسر أن يستمر في عصر بات كل شيء فيه مكشوفاً؟