عزة أبو علم: اختياري قيّمة في بينالي البندقية شرف يدفعني لتقديم الأفضل
خاضت رحلة مهنية مميزة تجمع بين الإبداع الفني والبصمة الثقافية والرؤية الأكاديمية، لتتمكن من إثبات نفسها في مجال العمارة الذي لطالما هيمن عليه الرجال.
من مشاركتها الأولى في جناح الإمارات في بينالي البندقية عام 2014 كمتدربة، إلى اختيارها مؤخراً قيّمة فنية للجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية 2025، مثلت المهندسة المعمارية عزة أبو علم، الأستاذ المساعد في كلية الفنون والصناعات الإبداعية بجامعة زايد، نموذجاً رائداً للمرأة الإماراتية الطموحة التي تسعى إلى تقديم روايات معمارية تعكس التراث المحلي برؤية عصرية.
في حوارنا معها، تشاركنا أبو علم تفاصيل رحلتها وفلسفتها في التصميم وتأثير عملها بين نيويورك والشارقة في نهجها المعماري. كما تحدثنا عن أهمية الأمن الغذائي كموضوع رئيسي في معرضها المقبل، ودورها الأكاديمي كمصدر إلهام للجيل الجديد من المصممين.
بدايةً، نهنئك على تعيينك قيّمة فنية للجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية 2025. هل لكِ أن تشاركينا رد فعلك الأول عند اختيارك لهذا الدور المهم؟
عند تلقي خبر تعييني انتابني مزيج من مشاعر الفخر والسعادة، وكذلك الإحساس بالمسؤولية، كوني أول معمارية إماراتية تُكلف بهذا المنصب المرموق، وهو شرف كبير ونقطة تحول مهمة في مسيرتي المهنية، خاصة أنه جاء من مؤسسة عريقة مثل مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، حفظها الله ورعاها، وبدعم كريم من وزارة الثقافة في دولة الإمارات. لذلك أتطلع أن أكون على قدر المسؤولية، وأن أحقق رؤية تستحق هذا الحدث العالمي.
ما الذي دفعك لاختيار تخصص العمارة، وكيف أسهمت خلفيتك الشخصية وعائلتك في تشكيل هذا القرار؟
لطالما رغبت في ترك أثر إيجابي في المجتمع والناس من حولي، ووجدت في العمارة الوسيلة الفضلى لتحقيق ذلك. فهي لا تتوقف عند كونها تصاميم للمباني، بل هي أداة لبناء المستقبل وتحسين جودة الحياة، هذا المزيج بين الإبداع الفني، والتراث الملموس، والبحث العلمي. جعلها الخيار الأمثل بالنسبة لي، حيث يمكنني التعبير عن ميولي الفنية والابتكارية، وفي الوقت نفسه المساهمة في تطوير بيئة مستدامة وذات معنى. ورغم أنني لم أنشأ في أسرة مملوءة بالمهندسين والمعماريين، إلا أن الدعم العائلي كان له دور محوري في رحلتي. والدتي، على وجه الخصوص، كانت دائماً مصدر إلهام ودفع لي، قدمت لي التشجيع المستمر، وهو ما ساعدني على بناء الثقة بنفسي والسير بثبات نحو تحقيق أهدافي.
من يتابع مسيرتك في هذا المجال يرصد رحلة فريدة من نوعها، بدءاً من تدريبك في جناح الإمارات في بينالي البندقية عام 2014 إلى أن أصبحت الآن القيّمة الفنية للجناح.. كيف تنظرين لهذا التطور؟
شكّل حصولي على درجة الماجستير في العمارة من جامعة ييل في الولايات المتحدة الأمريكية نقطة تحول مهمة في مسيرتي المهنية؛ إذ أسهمت هذه التجربة في تغيير منظوري حول تداخل الفنون المعمارية مع الأبحاث العلمية والميدانية. كما أتاح لي برنامج الماجستير فرصة لفهم العمارة كحقل متعدد الأبعاد، يتجاوز مجرد التصميم ليشمل قضايا بحثية عميقة ترتبط بالمجتمع والثقافة والبيئة، وخلال فترة التدريب في جناح الإمارات في بينالي البندقية عام 2014، تبلور هذا المنظور بشكل أوضح، لتكون هذه التجربة بمثابة نافذة على عالم العمارة من منظور عالمي مغاير. إضافة إلى الفرصة التي أتاحتها لي مقابلة شخصيات مؤثرة من شتى أنحاء العالم وتبادل الأفكار مع متخصصين يمتلكون رؤى متنوعة حول العمارة، ما عزز معرفتي الأكاديمية وزاد من حماسي وشغفي وإصراري للتعمق في هذا المجال الفريد، وهي أدوات ساعدتني على الرغبة في اكتساب المزيد من المعرفة وتحقيق النجاح.
بدأت الدعوة لتقديم مقترحات المشاركة في الجناح الوطني للدولة في بينالي البندقية 2025 في يوليو 2023، هل يمكنك إطلاعنا على الأسباب التي ساعدت على اختيارك؟
حرصتُ على إعداد الاقتراح بعناية ليعكس الأهداف المحددة الواردة في الدعوة المفتوحة، بالتركيز على تقديم موضوع متأصل في المعرفة المحلية لدولة الإمارات، بما يعكس عمق القصص غير المروية التي تسلط الضوء على البيئة المعمارية والثقافية الفريدة للدولة. إلى جانب ذلك، سعيت لتقديم منظور جديد واستراتيجيات مبتكرة تستشرف المستقبل، فكان هدفي الأساسي أن يسهم الاقتراح بشكل فعال في تحقيق رؤية ورسالة الجناح الوطني، المتمثلة في إبراز القصص المحلية والمشاركة في حوارات دولية، مع تأكيد الطابع المحلي المميز لدولة الإمارات العربية المتحدة.
جذبتني العلاقة العميقة بين العمارة والبيئة المحلية في الشارقة، وألهمتني نيويورك بحيويتها وتنوعها العمراني
شاركتِ في تأسيس استوديو «هولسوم» الذي يعمل بين نيويورك والشارقة، كيف أثر العمل بين هاتين المدينتين على نهجك المعماري وفلسفتك في التصميم؟
الشارقة ونيويورك مدينتان لهما مكانة خاصة في قلبي، لعبتا دوراً محورياً في تشكيل مفهومي عن العمارة عبر الزمن وأثرتا بشكل كبير في مساري البحثي وانطلاقي في هذا المجال. على الرغم من أنه قد يبدو، للوهلة الأولى، أن المدينتين متباعدتان تماماً من حيث الثقافة، والحجم، والنسيج العمراني، فإنني وجدت عند التعمق فيهما أوجه تقارب وتشابه لافتة.
فبينما جذبتني العلاقة العميقة بين العمارة والبيئة المحلية في الشارقة، ألهمتني نيويورك بحيويتها وتنوعها العمراني، هذا التباين بين التراث والديناميكية الحضرية، ما قادني إلى التفكير بعمق حول تأثير العمارة في الإنسان، وكيف يمكن للمباني أن تكون أكثر من مجرد هياكل صلبة، وكيف يمكن أن تؤثر في الهوية الشخصية والجماعية.
يعرف جناح الإمارات بتقديمه رؤية معمارية وثقافية، ما هي الرسائل أو المواضيع التي تخططين لاستكشافها في معرضك المقبل في بينالي البندقية؟
يرتبط موضوع الجناح الوطني المقبل لدولة الإمارات العربية المتحدة بالطعام والأمن الغذائي، وهو موضوع معاصر يمس قضايا حيوية لا تتوقف عند الإمارات بل بالعالم ككل، ففي ظل التحديات التي فرضتها جائحة «كورونا» وتأثيرات التغير المناخي، أصبح الأمن الغذائي قضية ملحة تتطلب حلولاً شاملة وإبداعية. وما يثير اهتمامي في هذا الموضوع هو كيفية النظر إليه من زاوية معمارية؛ إذ تفتح هذه الزاوية آفاقاً جديدة يمكن استكشافها بعمق، فالعمارة ليست مجرد بناء أو تصميم للمساحات، بل هي أداة لفهم وتشكيل الأنظمة التي تحيط بنا، بما فيها الأنظمة الغذائية.
تشغلين منصب أستاذ مساعد في جامعة زايد، كيف أثر دورك الأكاديمي في عملك كقيّمة فنية؟
لا يقتصر منصبي الذي أعتز به كثيراً كأستاذ مساعد في الجامعة على تدريس مواد التصميم وما يوفره من فرصة لتوجيه الجيل القادم من المصممين والمهندسين المعماريين، إلى جانب الأبحاث التي تحث عليها الجامعة بشكل خاص والمجال الأكاديمي بشكل عام، بل بدأت التعمق في البحث الميداني داخل دولة الإمارات، وهو مجال أرى فيه إمكانات هائلة لا تسهم فقط في إثراء معرفتي وفهمي للبيئة المعمارية في الإمارات، ولكنها أيضاً تقدم إسهامات قيمة للمجال الأكاديمي والمهني على حد سواء.
كقائدة نسائية في مجال تقليدي يهيمن عليه الرجال، ما النصيحة التي تقدمينها للمهندسين والمصممين الطموحين، وخصوصاً النساء؟
السير قدماً لخدمة هذا الوطن الغالي هو الهدف الأسمى الذي ينبغي أن نسعى جميعاً لتحقيقه، خاصة في مجال مثل العمارة، الذي يحمل تأثيراً مباشراً في حياة الناس وهويتهم الثقافية، والمحافظة على شغف العمل بالتصميم والعمل على تطويره باستمرار هي النصيحة الأهم التي أقدمها لمن تعمل في هذا المجال، فالمرأة في مجال العمارة لديها القدرة على أن تكون قائدة ملهمة تترك بصمة فارقة، ليس فقط من خلال مشاريعها، بل من خلال تأثيرها في المجتمع والبيئة المعمارية من حولها، والأهم من ذلك كله الإيمان بقدراتها وإمكاناتها، فكل خطوة صغيرة تقودها نحو إنجازات أكبر تخدم هذا الوطن وتسهم في بناء مستقبله.
كيف ترصدين إسهامك في دعم الجيل القادم من المهندسين والمصممين؟ وما هو النهج الذي تتبعينه في تشجيع الطلاب على التفكير الإبداعي والمستدام؟
من خلال تدريسي في جامعة زايد، أركز على تمكين الطالبات بتوجيههم نحو تحليل البيئة المعمارية المحلية وحل المشكلات بطرق إبداعية. أسعى إلى غرس مبادئ التصميم المستدام من خلال مشاريع تدعوهم للتفكير في حلول عملية تحترم البيئة والتراث المحلي وتلبي احتياجات المجتمع العربي والإماراتي بالأخص.
كيف ينعكس دورك كأستاذة جامعية على عملك المهني كمهندسة معمارية؟ وهل هناك طلاب أو مشاريع معينة ألهمتك خلال رحلتك التعليمية؟
العمل كأستاذة في جامعة زايد عزز مهاراتي المهنية كمعمارية، من خلال التفاعل المستمر مع أفكار جديدة ورؤى شبابية. أتعلم من طالباتي بقدر ما أعلّمهم، وأجد في مشاريعهم الإبداعية مصدر إلهام يساعدني على الابتكار في مشاريعي، دوري كأستاذة يمنحني فرصة للبقاء على إطلاع على أحدث التطورات والأفكار في مجال العمارة، ما يسهم بشكل مباشر في تطوير عملي المهني. في فترة عملي بجامعة ييل ومن ثم جامعة زايد صادفت الكثير من الطلاب الذين قدموا أفكاراً ومشاريع مستدامة ألهمتني في مشاريعي الخاصة، وخاصة تلك التي تركز على تطوير حلول مبتكرة تربط بين النظرة المحلية للبيئة المعمارية وتحديات التصميم بشكل عام.
من الشخصية التي لعبت دوراً محورياً، سواء في حياتك الشخصية أو المهنية؟
في حياتي الشخصية، كانت والدتي دائماً مصدر إلهام لي، كأول امرأة إماراتية تحصل على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة، ومن ثم أصبحت من أوائل المعيدات الإماراتيات في جامعة الإمارات، غرست فيّ حب التعلم وتطوير النفس والعمل الدؤوب. أما على الصعيد المهني، فقد كان وما زال لديّ العديد من الأساتذة الذين رافقوني وساعدوني في مراحل مختلفة من حياتي المهنية وشجعوني على الثقة بقدراتي والمضي قدماً في مجال العمارة والتصميم.