09 يناير 2025

د. هدى محيو تكتب: هل صار الصديق القديم غريباً عنّا؟

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

كنَّا قريبين جداً منهم، لكننا لم نتصل بهم منذ عشر أو عشرين سنة... إنهم رفاقنا أو أصدقاؤنا القدماء. نودّ أن نعرف عن أحوالهم، وقد ندعوهم للقاء متجدِّد، لكننا لا نجرؤ خوفاً من إزعاجهم أو إحراجهم.

تصفحوا دليل الأرقام في هواتفكم، كم من شخص لم تعاودوا الاتصال به منذ عشر سنوات؟ قد يكون صديق طفولة تزوج وانهمك في أسرته، أو زميلاً ترك وظيفته لينتقل إلى عمل آخر، أو حتى جاراً غيّر مكان إقامته. نحن جميعنا لدينا شخص يهمنا أمره لكننا لم نكلمه منذ زمن طويل.

لا نحتاج إلى العلوم الاجتماعية لتكشف لنا أهمية العلاقات الإنسانية لصحتنا العقلية والبدنية. كما أن الإحساس بوجود شخص على الأقل يمكن الاعتماد عليه في أوقات الشدة، يعدّ من أهم المؤشرات العالمية للشعور بالاطمئنان؛ لذا من المنطقي أن نتوقع من الناس أن يفعلوا كل ما بوسعهم للحفاظ على علاقاتهم الاجتماعية، لكن الحقيقة غير هذا.

فقد بيَّنت دراسة أجريت على أكثر من 2400 مشارك أن الناس يترددون كثيراً أمام الاتصال بصديق قديم وهم يحجمون عن القيام بهذه الخطوة في أغلب الأحيان. أما السبب الأساسي الذي قُدِّم لتبرير هذا الموقف، فهو الخوف من أن يكون الصديق المنسي غير مهتم بربط ما انقطع فيتحول الحديث معه إلى لحظات إحراج وضيق.

لكن الحقيقة، كما أظهرتها دراسة أخرى، هي أن الصديق المنسي سيفرح كثيراً في حال جاءه اتصال من صديق قديم، فما هو السبب الحقيقي والعميق إذاً وراء هذا التردد والإحجام؟

هل لشعورنا بأننا بتنا لا نعرف هذا الصديق بعد مرور هذا الكم من السنوات، أي أنه صار شخصاً مجهولاً لدينا كسائر الأشخاص الذين نصادفهم على الطريق؟ صحيح أن كل واحد منا، خلال سنوات البعد والقطيعة غير المقصودة، قد عاش حياته بتفاصيلها الحلوة والمرة، ولم يشرك صديقه في هذه التفاصيل. كما أن تجارب الحياة ومحنها وظروفها تبدّل الإنسان وتقولبه من جديد، وقد تجعل منه شخصاً آخر لا ننجح في التعرف إليه. وربما يكون العكس، ليجذِّر الزمن والحياة في نفس الصديق السمات ذاتها ويصقلها ويعمقها.

لكننا لن نعرف أيهما الصحيح ما لم نتصل بهذا الصديق، الذي سيفرح باتصالنا، حتى لو أن السنين قد غيَّرته وبدَّلته. قد لا يطلب لقاءنا في هذه الحال، لكننا نكون على الأقل قد بقينا أوفياء لصداقة قديمة كانت جزءاً من ذاتنا ولعبت دورها في حياتنا، مع سائر العلاقات الاجتماعية التي أقمناها، والتي جعلت منّا ما نحن عليه الآن.

اقرأ أيضاً: ماذا تعني لكِ الصداقة؟ وهل تكوّنين صداقات بسهولة؟