12 يناير 2025

د. باسمة يونس تكتب: بين الرغبة والكارثة.. نزوة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

مجلة كل الأسرة

يعرّف بعضهم النزوة بأنها رغبة مفاجئة وغير عقلانية تتملك الإنسان في لحظة عابرة، وتقوم على اللحظة الآنية دون النظر إلى التأثيرات البعيدة لتحكم العاطفة في القرار على حساب المنطق وقيامها بتعطيل العقل. والنزوة، على الرغم من أنها تولد من شرارة يظنها بعضهم لا تحرق، ورغبة تزول بعد إشباعها، لكن الواقع يظهر لنا أن «النزوة» ليست مجرد شعور عابر، بل هي واحدة من القوى الأكثر تأثيراً وخطورة على البشر، وأشد من عاصفة جامحة ذات تأثير مدمر إذا لم تتم السيطرة عليها.

وأثبت التاريخ على مر العصور أن النزوات الصغيرة ظاهرياً، عواقبها كارثية إن نجحت في التسلل من النوافذ الضيقة، وأشبه بنار حارقة سنحت لها فرصة الإفلات من قاع موقد ملتهب وجنحت باشتعالها نحو هدم أسر وتدمير مجتمعات لم تتمكن من الإفلات من قبضتها فأحالتها رماداً.

وعندما يسعى الفرد وراء رغباته دون النظر إلى مسؤولياته، تؤدي هذه القرارات الأنانية إلى تصدعات عميقة داخل حياته وحياة من حوله، فيتزعزع الاستقرار وتتبعثر الروابط العميقة التي بُنيت عبر الزمن وتدمر أسرة بأكملها؛ لأن أحد الشريكين قد انساق خلف نزوة عاطفية أو مادية أو حتى أخلاقية غير مدرك لنتائجها، وغير مكترث أحياناً بما سيحدث لمنزل عمّره يوماً ثم حوّله إلى ساحة معركة بين أنقاض الخيانة والثقة وبين الندم والغضب وانحلال رباط الأمان الذي كان يحيط بالأطفال وتلاشي أحلام المستقبل بسبب لحظة ضعف.

ومن أشد النزوات تدميراً وخطورة نزوات الخيانة الزوجية والمالية التي تبدأ من قرارات متهورة ورغبات متسرعة واستثمار غير محسوب أو رغبة في تحقيق مكاسب سريعة، لن تتحقق، بل على العكس من ذلك، ستضع الأسرة في ضائقة مالية وتهدد استقرارها ثم تشعل فيها حرائق التدمير.

وبينما يمكن أن تكون النزوات فردية وتؤثر في نطاق ضيق، يروي لنا التاريخ قصصاً عن نزوات كبرى غيّرت مسارات شعوب ودول بأكملها، وأشعلت صراعات وبدّلت مصائر ومجرى تاريخ بأكمله، ويقدم لنا حقائق علها تصبح دروساً يستفيد منها الناس، فيتعلمون ويدركون خطر النزوة وأهمية التعامل بحكمة مع اللحظات العاطفية للحفاظ على الاستقرار، سواء في الحياة الشخصية أو حتى على مستوى المجتمعات الكبيرة.

كانت نزوة «باريس» أمير طروادة وراء اندلاع حرب طروادة، بعد أن قام وفقاً للأسطورة الإغريقية باختطاف هيلين زوجة الملك منيلاوس، فأشعل بذلك حرباً دامت عشر سنوات طويلة. تلك النزوة التي كانت مجرد رغبة عابرة أصبحت رمزاً لتدمير مملكة بأكملها وموت الآلاف. ومثلها نزوة كليوباترا ومارك أنطونيو، والتي ولّدت حباً جامحاً دفعهما إلى اتخاذ قرارات سياسية وعسكرية خطرة، وتسببت في حروب طاحنة انتهت بانهيار الإمبراطورية البطلمية في مصر.

ولكي يتجنب الإنسان النزوات، يجب أن يتريث قبل اتخاذ أي قرار تحركه رغبة مفاجئة، ويدرك مسؤولياته تجاه من حوله وتجاه أسرته ومجتمعه ومدى تأثير القرارات الطائشة، ويسعى لتطوير مهاراته في التحكم بالذات وممارسة التفكير المنطقي ليتمكن من تحصين نفسه وردعها عن الوقوع في مصيدة النزوات المؤلمة.