19 يناير 2025

د. مريم الهاشمي: رحلتي مع النقد بدأت من «النقاش الأسري».. والسؤال مفتاح العقول

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

جمعت بين الفكر النقدي العميق، وشغفها بالأدب والفلسفة، وتعتبر واحدة من أبرز الأسماء في الساحة النقدية الأدبية في الإمارات. تراهن الدكتورة مريم الهاشمي، ناقدة وكاتبة إماراتية، على أهمية الأدب كأداة لإعادة تشكيل العالم وتجاوز التحدّيات. في هذا الحوار، تستذكر د.الهاشمي بداية مسيرتها في الفكر النقدي، مستعيدة مشهد النقاش الأسري في «ساعة عصرية» مع الوالد، وما يطلّ عليه من مواقف حياتية يومية، كذلك تأثير البيئة الثقافية الإماراتية في تشكيل رؤيتها الأدبية والنقدية.

في حوارها مع «كل الأسرة»، تتحدث الدكتورة مريم الهاشمي عن عوالم الأدب والنقد، وتغوص في دور الأدب في تشكيل الوعي الثقافي والمجتمعي، وتسلط الضوء على دمجها بين التاريخ والفلسفة في أعمالها الأدبية، مع تناول كتابها الشهير«رثاء المدن والممالك بين بغداد والأندلس»:

من خلال الحوار، تكشف د.الهاشمي عن تطوّر الحركة الشعرية في الإمارات، بخاصة في ظل تأثيرات الشعر العربي، والعالمي، معبّرة عن تطلعاتها المستقبلية في التركيز على دراسة الحداثة في الشعر الإماراتي، كما تتحدث عن مشاركتها المرتقبة في مهرجان طيران الإمارات للآداب بين 29 يناير، و3 فبراير 2025 في دبي.

ماذا عن بدايات المسيرة، ومتى شعرت بأنك تمتلكين أدوات النقد للانخراط في المشهد الأدبي؟

مسيرة النقد والتعمّق فيه بدأت أثناء الدراسات العليا، إلا أنني أدركت في مرحلة عمرية أن الفكر النقدي الذي هو أساس العملية النقدية كان حاضراً منذ السنوات الأولى من حياتي، وذلك أثناء النقاش الأسري الذي كان ديدن الساعة العصرية التي كنا نقضيها مع الوالد، رحمه الله، في محاولات ونقاشات لفهم بعض المواقف الحياتية، باختلاف تشعباتها، ومشاربها الاقتصادية، والدينية، والفكرية، والسياسية، والاجتماعية. فتلك النقاشات أسهمت في فتح مدارك السؤال الذي هو أسّ الفكر النقدي، ومن ثم، وبعد سنوات عدة من المحطات الحياتية، جاءت الدراسة النقدية التي جعلتني أغوص في عوالم النقد، والفلاسفة، والتاريخ، والشخصيات النقدية والفلسفية، وجعلت هذا العالم المثير يشدني إليه أكثر، وتملّك كل حواسي الفكرية، وجعله الشغف الذي بتّ أجد لذته مع كل كتاب يقع في يدي، ومع كل منهج نقدي، قديم أو حديث، أقف أمامه في قراءة للآداب المختلفة.

ما هو تأثير البيئة الإماراتية في تشكيل رؤيتك النقدية؟

ما يميّز البيئة الإماراتية هو ذلك التنوّع الثقافي الذي عاصرته، والذي أتاح لنا فرصة، بل نعمة للتعرف إلى أسماء نقدية عظيمة تنتمي إلى هذا الوطن العربي الكبير. والإمارات هي اليوم بمثابة مهبط الفكر والنقد، لكونها حاضنة لكل المشارب الأدبية، والفكرية، والتراثية، والفلسفية، والنقدية، عن طريق مبادرات الجوائز النقدية والأدبية، والمنتديات الثقافي، والمؤتمرات العلمية التي فتحت لنا آفاقاً للتلاقح الثقافي، وجعلتنا نندمج أكثر في عالم النقد، ما يسهم بشكل فاعل في فتح المدارك، وتحوّل الرؤية في تقبّل الآخر بكل توجهاته النقدية.

مجلة كل الأسرة

ماذا عن مشاركتك في مهرجان طيران الإمارات للآداب، وكيف تسهم مثل هذه المهرجانات في دعم الحركة الأدبية والنقدية في الدولة؟

يعمل مهرجان طيران الإمارات للآداب، إلى جانب غيره من المبادرات التي تخرج من هذه الأرض الحاضنة للمثقفين والأدباء، من أجل ممارسة ثقافية حقيقية بعيدة عن تلك الشعارات الزائفة. وما يميّز هذا المهرجان هو نجاحه في التقريب بين الآداب بكل انتماءاتها الجغرافية، ويمنح التلاقح الثقافي صورته الحقة في تعريف الأديب بالأديب الآخر، وأهم ما يميز مهرجان طيران الإمارات للآداب هو الوعي بأهمية النقد، ودوره الرئيس في تحريك المجتمعات، وبأنه جزء مهم في حداثة الفكر والأدب، بما يعكس صورة للحضارات التي ينتمي إليها.

في كتابك «رثاء المدن والممالك بين بغداد والأندلس»، كيف استطعت الدمج بين التاريخ والفلسفة فيه؟

كتاب «رثاء المدن والممالك بين بغداد والأندلس» يقدم مقاربة وموازنة تسلط الضوء على الفكر العربي بين الشرق والغرب، ويصوّر للقارئ العلاقة العميقة بين الإنسان والتاريخ، وعلاقة التاريخ بمصائر الإنسان. كما يبرز الكتاب حقيقة فكرية ثابتة، وواضحة: إن لم نتعلم من دروس التاريخ، ستظل النتائج كما هي، وسنجد أنفسنا ندور في حلقات مفرغة من دون تقدم.

ما هي المنطلقات لكتاباتك، وهل ترتكز على قضايا وهواجس أدبية أم على شغف بموضوع ما؟

أؤمن بأنّ الكاتب هو ابن بيئته، وكتاباتي تنبع من المسؤولية المجتمعية كناقدة تنتمي إلى هذا المجتمع، والذي يستحق منا أن نوفيه حقه بالبحث والدراسة. لذا، تناولت في مؤلفاتي موضوعات متنوّعة حول الأجناس الأدبية، بين الشعر، والرواية، والقصة، والشخصيات، باستخدام مناهج نقدية تهدف إلى إثراء ورفد المكتبة العربية بإسهامات جديدة، ومغايرة لما تم تناوله سابقاً. ورغم خبرتي في مجال البحث، تبقى الموضوعات تفرض نفسها باستمرار ما دامت الكتابة حاضرة، والقلم الإبداعي ينبض بالعطاء.

مجلة كل الأسرة

كيف تقيّمين تطور الحركة الشعرية في الإمارات، وما أهم ملامحها الحالية؟

الحركة الشعرية حركة متسارعة ومتطورة بشكل يفوق تطّور أيّ جنس أدبي حاضر، بل وأوّل نوع أدبي ظهر في المجتمع الإماراتي هو الشعر، ويمتد إلى أكثر من قرن، كما وصل إليه البحث. وما يميّز الشعر في دولة الإمارات هو مواكبته للشعر، العربي والعالمي، فنجد إلى جانب الشعر التقليدي حضور شعر التفعيلة، والحر، والهايكو، وقصيدة النثر، والومضة، كمظاهر تحول في الشعر الإماراتي بفعل الاحتكاك والترجمة، والتأثر بمتغيرات الأدب العالمي.

وما الذي يميّز أحمد أمين المدني ليكون مادة خصبة لدراساتك النقدية؟

الشاعر الراحل أحمد أمين المدني، شاعر تجاوز بأدبه العصر الذي انتمى إليه، وكان شاعراً تنقل في مناطق أدبية كان لها الأثر الواضح في شعره. حين اطّلعت على نتاجه الشعري وجدت ثيمة واضحة، هي ثيمة الغربة، ما أثار القلم النقدي من أجل دراسة نتاجه، والوقوف على أكثر من مظهر من مظاهر الغربة في شعره. ولذلك أصدرت كتاب «غربة المدني -دراسة تحليلية عن الشاعر أحمد أمين المدني»، لإلقاء الضوء على تجربة واحد من أهم الشعراء الذين أسهموا في تطور القصيدة الإماراتية.

حصلت على جوائز مرموقة. ما الجائزة الأقرب إلى قلبك، وكيف تسهم هذه الجوائز في تحفيزكِ لتقديم المزيد؟

لا شك في أن الجوائز تزرع شعوراً بالرضا في نفس من ينالها، فهي تمثل اعترافاً ملموساً بجهوده، وإنجازاته. بالنسبة لي، أعتبرها تقديراً لما يبذله الناقد من جهد في خدمة الأدب وإثراء الإرث الإنساني. فالجوائز ليست مجرّد تكريم شخصي، بل هي رسالة تعزز أهمية العمل النقدي كركيزة أساسية لفهم أعمق للأدب، وتاريخه، ودورها في دفع عجلة الإبداع نحو آفاق أوسع.

مجلة كل الأسرة

كيف توازنين بين دورك كناقدة أدبية وبين عضويتك في لجان تحكيم الجوائز الأدبية؟

تحقيق التوازن بين المهام العديدة التي أضطلع بها ليس بالأمر السهل. فالعمل الأكاديمي، والكتابة النقدية، والمشاركة في المؤتمرات المحلية والدولية، إلى جانب الانخراط في لجان ثقافية وأدبية متنوعة، كلها تتطلب جهداً كبيراً، وتستدعي تقديم التضحيات، بما في ذلك الحياة الاجتماعية، والمشاريع الشخصية. ومع ذلك، أحرص دائماً على تذكير نفسي بدوري المجتمعي كناقدة، وبأهمية تعزيز حضور النقد الإماراتي، وترسيخ مكانته. إن فن تنظيم الوقت يظل السّر الحقيقي وراء إدارة كل هذه المسؤوليات، وتحقيق التوازن بينها، في سبيل الإسهام في خدمة الأدب، والثقافة الإماراتية.

ما هي المواضيع أو المجالات التي تتطلعين لاستكشافها في أعمالك القادمة؟

تتمحور مشروعاتي البحثية المقبلة، خلال الأشهر المقبلة، حول استكشاف الحداثة، وما بعدها، وتحوّلاتها في الشعر الإماراتي، مع التركيز على أبرز ملامح هذه المرحلة. كما سيتناول البحث شخصية إماراتية راحلة تركت بصمة مؤثرة في الحياة الثقافية داخل الدولة، وعلى مستوى الأدب الإقليمي. إضافة إلى ذلك، تتضمن أجندة البحث دراسة متعمقة حول تطور الرواية الخليجية، لاستكشاف أبعادها، الفنية والفكرية، ودورها في المشهد الأدبي العربي.

مجلة كل الأسرة

طوّرت مناهج التعلم وطرائق التدريس في مخاطبة الطلبة. ما هي أهم المرتكزات التي استندت إليها، وإلى أيّ مدى أخذت في الاعتبار المؤثرات الحالية في صعيد التكنولوجيا؟

في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة ودخول الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الحياة، بما فيها التعليم، بات الطالب اليوم بحاجة ماسة إلى مثال أكاديمي متمكن، أكثر من أي وقت مضى. فامتلاك قاعدة معرفية متينة هو الأساس لتعزيز شخصية الطالب، مع التوازن بين التراث العلمي التقليدي، والانفتاح على التكنولوجيا الحديثة. هذه الأدوات، إذا استُخدمت بفعالية، قادرة على الارتقاء بكفاءة العملية التعليمية والعلمية، ما يمنح الطلاب فرصة أكبر لتحقيق التفوق في عالم سريع التغيّر.

ويبقى السؤال: هل يمكن إعادة تشكيل العالم من خلال الأدب؟

الأدب هو الأمل الذي يبقى حاضراً في كل الأزمنة، فهو القوة التي تعيد تشكيل الذوات الإنسانية، والتي تشكل بدورها أساس كل العوالم. في الأدب، نجد المنقذ، والمعلم، والطبيب، والأستاذ، والداعم، والصديق، فهو رفيق الحياة الذي يفتح لنا آفاقاً جديدة، ويمنحنا القدرة على تجاوز التحديات، والوصول إلى تلك الفتوحات الفكرية والروحية التي تُثري وجودنا.

مجلة كل الأسرة

السؤال الأخير: تردّدين أن السؤال دائماً هو محور الإبداع. ما السؤال الذي يلحّ دوما عليك؟

السؤال هو مفتاح العقول، وأوّل خطوة على طريق اليقين. الأسئلة تحمل في طيّاتها عمق التفكير، ودعوة للتأمل، مثل: ما هي ماهية الحياة؟ كيف نجد الطمأنينة؟ ماذا نريد حقاً؟ وكيف نرسم صورتنا في ذاكرة الآخر؟ هل نحن نفس أم ذات؟ وما السبيل لأن نستمد القوّة التي تدفعنا للاستمرار؟