20 يناير 2025

ليلة سقوط مجرم الـ«سوشيال ميديا» وشبكة الفسوق

فريق كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

ما زال عالم الـ«سوشيال ميديا» مملوءاً بالغموض والجرائم، ففي بعض الأحيان أصبحت تطبيقات مثل (الفيسبوك والتيك توك وغيرها) وسيلة سهلة لاستقطاب المراهقات للعمل في الأعمال المنافية للآداب أو استغلالهن بطريقة أو بأخرى لتحقيق أرباح خيالية. تشكيل عصابي غريب جداً تزعمه شخص واحد فقط كان يلقب بـ«العبقري»، عالم مشبوه استغله هذا المجرم لتحقيق مكاسب ضخمة على حساب سمعة الأبرياء، تفاصيل مُثيرة تدق ناقوس الخطر داخل كل بيت ولكل فتاة.

حلم لم يتحقق

تميز بطل القصة منذ صغره في استخدام التكنولوجيا حتى لقبه بعض أصدقائه وعائلته بالعبقري، وتنبأ له الجميع بمستقبل كبير، خصوصاً مع تميزه ورجاحة عقله في هذا الجانب، لكنّ كثيراً من الأحلام ربما تنهار في غمضة عين لسبب أو لآخر. بطل القصة كانت حياته تسير بشكل طبيعي رغم ضيق المعيشة ونشأته وسط أسرة متوسطة الحال، إلا أن والده لم يبخل عليه بشيء في حدود إمكاناته وقدراته حتى يحقق حلم نجله بالالتحاق بكلية الهندسة، لكن ما حدث لم يكن متوقعاً، ولم يحسب له بطل القصة حساباً.

تعرض والده لوعكة صحية أثرت فيه سلباً، وبعد صراع كبير مع المرض غادر الدنيا متأثراً بمرضه، وبطبيعة الحال انهارت كل الأحلام بعد وفاة الأب، خصوصاً أنه كان يعمل موظفاً بسيطاً في إحدى الشركات، ولم يترك لأسرته من حطام الدنيا إلا الفُتات.

استكملت الأم مسيرة الأب مع نجلها الوحيد بصعوبة، لكن نظراً لضيق ذات اليد لم ينجح نجلها في الالتحاق بكلية الهندسة التي تحتاج إلى مصاريف ونفقات باهظة لا تناسبهم، ما اضطر نجلها للالتحاق بأحد المعاهد التكنولوجية.

أنهى الطالب العبقري دراسته في المعهد التكنولوجي، وحاول كثيراً الالتحاق بأكثر من شركة، لكن معظم الشركات كانت شروطها واحدة؛ أهمها ضرورة الحصول على مؤهل عالٍ من إحدى الجامعات المعتمدة. أحلام كبيرة بدأت كلها في الانهيار، ما دفعه للعمل بأحد محال صيانة الكمبيوتر وشبكات الإنترنت، ومنذ يومه الأول في العمل، أثبت أنه مختلف ومتميز عن أقرانه، لكن في آخر الشهر ما يحصل عليه كان بالكاد يكفي مصاريفه الشخصية هو ووالدته.

البحث عن مخرج

كان يفكر طوال الوقت في حلول غير تقليدية للخروج من نفق الفقر الذي أصبح يحيط به من كل جانب، حتى هداه تفكيره إلى حل شيطاني، مستغلاً مهارته في استخدام التكنولوجيا. قرر صنع تطبيق للتعارف على أحد المواقع الإلكترونية، وأوهم الفتيات من خلال هذا التطبيق بالشهرة الواسعة من خلال استعمال التطبيق والنقود التي ستنهال عليهن لمجرد موافقتهن على استعمال صورهن في إعلانات بالذكاء الاصطناعي.

هكذا كان المدخل الخفي للنصب على الفتيات وابتزازهن عن طريق هذا التطبيق الإلكتروني الذي نجح في إنشائه ووضعه على قائمة البرامج الأكثر استخداماً، حيث بطريقة أو بأخرى تلاعب في نسبة استخدام التطبيق لتظهر بالملايين، ما يدل على حصوله على تقييمات مرتفعة ودرجة كبيرة من الثقة.

الغريب في الأمر أن كثيراً من الفتيات كن يصدقن هذا الوهم، خصوصاً مع قدرته على الإقناع بعد تحويل بعض الأموال البسيطة إلى حساباتهن البنكية أو من خلال أحد تطبيقات الهواتف المحمولة لتحويل الأموال.

كانت هذه الخطوة الأولى، وهي التي يسميها مرحلة اكتساب الثقة، ثم ينتقل بعد ذلك إلى المرحلة الثانية، وهي جني الثمار والأموال عن طريق استقطاب الفتيات وإقناعهن بفتح خاصية البث المباشر «لايف» في هذا التطبيق ليحصد آلاف المشاهدات التي تدر له مبالغ مالية ضخمة من خلال الفتيات الجميلات اللاتي يستغلهن لتحقيق أهدافه، وكلما اتسعت شجرة العلاقات كثرت المكاسب. أما الفتيات المشاركات معه في التطبيق، فلم يكن أمامهن سوى الاستمرار معه لأمرين لا ثالث لهما، أولهما حصولهن بالفعل على نسبة من الأرباح، وثانيهما العمل على أمل أن تصيب الشهرة إحداهن لتتغير حياتها من حال لآخر.

المئات وقعن ضحايا لهذا المجرم العبقري وشجرته من الفتيات المتعاونات معه. ولم يكن هذا كل شيء؛ إذ كان هناك جانب آخر من العمل الخفي، وهو عند رفض فتاة العمل معه أو تهديدها له بالإبلاغ عنه، فإن مصيرها يكون فضيحة كبرى من خلال الاستيلاء على صورها، حيث تتفاجأ بصورتها الحقيقة في أماكن مختلفة ذهبت إليها بالفعل، لكنها في أحضان شاب، أو تم صنع فيديو لها بدقة تخدع الجميع ولا يمكن كشفها، وبين عشية وضحاها تجد الفتاة نفسها فتاة ليل أو ممثلة أفلام إباحية على شبكة الإنترنت، مع تقديم كافة المعلومات عنها. لنتخيل كم من فتاة من عائلة محترمة تجلس في بيتها بأمان، وهناك من يتلاعب بصورها، ومن الممكن أن يسبب لها فضيحة، وهي لم ترتكب أي ذنب أو خطأ.

السقوط في الفخ

رغم الحرص الكبير الذي يعمل به هذا المجرم العبقري، إلا أنه دائماً «غلطة الشاطر بألف». تجرأت فتاة وتحدت شروطه وتجاوزت خوفها وذهبت إلى مباحث الإنترنت وكشفت عن تفاصيل مُرعبة، مؤكدة أنها كانت إحدى ضحاياه، لكنها اضطرت للاستمرار معه بعد وعدها بالزواج بمجرد الوصول إلى تحقيق ثروة مالية تكفل لهما الحياة الكريمة، لكنها اكتشفت أنه يماطل ويقدم هذه الوعود لكثير من الفتيات مقابل تحقيق مصلحته الشخصية، ما دفعها للإبلاغ عنه بهدف الانتقام منه.

تم تنفيذ خطة محكمة من رجال مباحث الإنترنت للإيقاع بهذا المجرم العبقري والقبض عليه وعلى باقي أفراد شبكته من الفتيات؛ حيث قدمن اعترافات تفصيلية بمجرد سقوطهن في قبضة رجال الشرطة، وتمت إحالتهم جميعاً لجهات التحقيق بعد تحرير محضر شرطة ضمت أوراقه كافة التفاصيل.

قال المتهم في اعترافاته أمام جهات التحقيق «لم أسع إلى الإساءة لأي شخص، فقط كنت أتلاعب بمشاعر الفتيات لتحقيق أكبر استفادة ممكنة، أنا موهوب ومحترف وأمتلك ذكاء بالغاً في هذا المجال، كل يوم كانت الأيام تُثبت لي أن الطمّاع والثريّ كلاهما يستحق العقاب؛ لذا كنت أبحث عن الفتيات الراغبات في الشهرة السريعة وتحقيق الربح من على الإنترنت للإيقاع بهن بطريقتي الخاصة، من خلال أحد التطبيقات الإلكترونية، خطأ وحيد تسبب في كشفي أمام الجميع والقبض عليّ». كانت هذه الجمل القصيرة هي ملخص ما نطق به لسان المتهم عقب القبض عليه بتهمة ابتزاز الفتيات على الإنترنت وتكوين شبكة لتجارة الرقيق.

تمت إحالة المتهم للنيابة العامة التي أمرت بحبسه والفتيات المتورطات معه 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معه، بعد أن وجهت له النيابة العديد من اتهامات، منها التحريض على الفسوق، وإدارة شبكة للأعمال المنافية للآداب، وتجارة الرقيق، والنصب، وابتزاز الفتيات على الإنترنت.

إعداد: كريم سليمان