وصاحبة الحكاية سيّدة فرنسية دون الأربعين من العمر. تعرّفت في صِباها إلى مصور إيطالي لطيف، ورزقت منه بطفلة. تقول إنها كانت تركب المترو ذات يوم، حين لمحت في زجاج النافذة وجه طفلة شقراء. وعلى الفور، أدركت أنها ستكون أمّاً في القريب العاجل. ولما عرفت أنها حبلى شعرت بسعادة كبيرة. وقد اختارت لطفلتها اسم كارانس، مثل بطلة الفيلم الشهير «أطفال الفردوس».
كان للأم شغف كبير بالأبراج، وقد قرأت الكثير من كتب التنجيم. وعملت حساباتها، وعرفت أن طفلتها ستكون من برج السرطان. إن مواليد هذا البرج أشخاص ذوو حساسية مفرطة، مثل سرطانات البحر الصغيرة غير المؤذية التي تصنع لنفسها عشها الخاص، وعالمها المنعزل. لكن وراء ضعفهم الظاهري، فإنهم شجعان للغاية، ومثابرون.
في جناح الولادة، كانت الأم الشابة مفتونة بنظرة ابنتها ذات الكثافة المحيّرة. تلك النظرة الشهيرة التي يطلق عليها المتخصصون اسم «النظرة البدائية». كانت تتفحص رضيعتها، وتسألها بصوت هامس: «ولكن من أين أنت يا عزيزتي؟». لقد شعرت بأن الطفلة تحمل في عينيها نوعاً من الغموض يصعب تفسيره.
حين بلغت كارانس سنّ الثالثة، بدأت تتخيل وجود وحوش حول سريرها. كانت تجد صعوبة في النوم، وتستيقظ باكية في عز الليل، خائفة ممن تسميهم «أشباحاً يرقصون على الجدار». واضطر أبوها إلى رفع الخيمة القماشية الملوّنة التي كان قد نصبها لها في غرفتها، لأنها كانت مقتنعة بأن رجلاً يسكن في الخيمة. وفي حين كانت رفيقاتها في المدرسة يلعبن بالدمى، كانت هي مفتونة بالجنيّات. تصدّق وجودهنّ، وتطلب من أمها أن تحكي لها عنهن. وقد حزنت كثيراً حين أخبرتها إحدى صديقاتها أنْ لا وجود للجن.
بعد فترة انفصل والدا كارانس. وانتقلت البنت لتقيم مع أمّها في شقة قريبة من حديقة عامة كبيرة. وعلى الفور، شعرت الوالدة بأن ابنتها مرتاحة للمكان الجديد. وكانت تسايرها في طلباتها، وتشعل أعواد البخور في أرجاء الشقة، وتضع أكياساً صغيرة من الملح الخشن في الزوايا، وتحت العتبات. صارت الشقة كأنها مسكونة بروحَي الزوجين العجوزين اللذين كانا يقيمان فيها قبل وفاتهما.
ومع الوقت، تأكدت الأم أن ابنتها تتمتع بقوى غير طبيعية. كانت تضطر إلى رفع البطاريات من ألعاب البنت لأنها تدور أحياناً من تلقاء نفسها خلال الليل، وتضيء وتنطفئ من دون أن تمسّها يد. كما كانت تفتح النوافذ لكي تسمح بخروج «الأرواح الهائمة» في الشقة. لكن تهيؤات البنت امتدت خارج حدود البيت. وحين كانت تذهب إلى المبيت عند أبيها فإنها تعود وتخبر والدتها بأن أرواح الميّتين تراقبها هناك.
في سنّ العاشرة طلبت كارانس هدية غريبة لعيد ميلادها: رزمة من ورق اللعب المصور المستعمل لكشف الطالع. وبدأت تقرأ طالع والدتها. وفي سنّ الثانية عشرة قامت برحلة صيفية مع رفيقات الدراسة، وأقمن في مبنى تاريخي وكانت البنت تسمع خطوات تذهب وتأتي في الممرات. تخرج من غرفتها لتتأكد فلا ترى أحداً. بعد ذلك بدأت تقرأ طالع صديقات أمّها، وجاراتها، وتحذرها من فلانة، أو فلانة لأنها «تضمر شراً».
اليوم بلغت كارانس سنّ الشباب، وهي تدرس في جامعة بلجيكية، وتمارس مواهبها الخارقة مع رفاق الدراسة، وتقرأ لهم بختهم، وهم يصدّقونها. أما الأم فلم تعد تخشى من نزوع ابنتها نحو عوالم الغيب، بل تتذكّر أن جدتها معلمة الرياضيات كانت تقرأ الطالع في ورق اللعب أيضاً.
اقرأ أيضاً: التنجيم.. علم أم غش وخداع؟