تحوّلت علاقة صداقة تجمع زميلين في سكن واحد، مُشترك مع آخرين، إلى علاقة عداوة شديدة، دفعت أحدهما إلى الانهيال على الآخر بالرسائل الإلكترونية التي تتضمن عبارات «التهديد والوعيد بالقتل والسّب».
«الصديق المُهدّد» ورّط نفسه في جريمة إلكترونية، «سيبرانية»، إزاء ما وجّه من رسائل إلى الآخر، بسبب عناده الشديد، وعدم تغليبه الحِكمة نظراً لصغر سنّه، حيث لم يتجاوز العشرين عاماً.
تعود تفاصيل قصة الخلاف بين الصديقين، التي اطّلعت «كل الأسرة» عليها من حكم قضائي، إلى أنهما كانا يعيشان في مقر سكن واحد، برفقة مجموعة من الأشخاص، وكانت الحياة طبيعية بينهما، فكل منهما مُنشغل بحياته العملية، وتجمعهما أواصر الصداقة والتفاهم في مقر السكن.
قرّر الصديق الصغير في السّن «الأول»، السفر إلى موطنه في رحلة إجازة لرؤية عائلته، فيما استمر تواجد الثاني في الدولة يمارس عمله. يقول الثاني «تربطني به معرفة قوية من خلال السكن، وعلاقة صداقة».
في أحد الأيام، استفاق «الثاني» على موجة من الرسائل الغاضبة التي تصل من رقم هاتف «الأول»، تتضمن عبارات سبّ، وتهديد، ووعيد. ويؤكد «الثاني» أن صديقه أرسل إليه العديد من الرسائل الصوتية والمكتوبة، وطلب منه أن «ألّا يقول له مرحباً عند عودته إلى الدولة، وألّا يُسلم عليه».
كان «الثاني» مُستغرباً من الرسائل، يقول «قمت بالاتصال به هاتفياً فوراً، لمعرفة سبب غضبه الجامح، وسبب عبارات السّب والتهديد، فأخبرني أن الشخص الذي كان يقيم معنا في السكن نفسه، أبلغه أنني قمت بسرقة هاتفين عائدين إليه خلال سفره».
وأضاف «أنكرت سرقة الهاتفين عند حديثي معه، وأكدت أن هذا الادعاء كاذب، جُملة وتفصيلاً، ولم يحدث من قِبلي، وطلبت منه التفاهم حال عودته إلى الدولة، إلّا أنه رفض، وتعنّت، وصدّق الشخص الذي أبلغه من دون أن يلتفت إلى أقوالي».
حاول «الثاني»، مراراً وتكراراً، إقناع «الأول» بأن الرواية التي سمعها عنه محض افتراء لزعزعة علاقة صداقتهما، وأنه، لم، ولن يفعل أي شيء يضره، إلا أن الأخير تصلّب في رأيه، واستمر في تهديده إلى أن وصل الأمر إلى التهديد بالقتل.
عجز «الثاني» عن محاولة الدفاع عن نفسه، بخاصة لمعرفته أن صديقه صغير السّن، وقد يتصرف تصرفاً طائشاً، يدفع الاثنان فيه ثمناً باهظاً، فقرر أن يتوجه إلى مركز الشرطة، وإبلاغه بما يحدث، حتى لا تسوء الأمور بينهما.
قدم «الثاني» بلاغاً للشرطة، وعرض الرسائل المكتوبة والصوتية، كدليل على ما يحدث. وهنا أبلغه المركز أن هذا النوع من الجرائم يعدّ وفق القانون جريمة إلكترونية، «سيبرانية»، يتعامل معها بشدّة، وجدّية، لما تتضمنه من تهديد.
عند حضور الصديق «الأول» إلى الدولة بعد فتح البلاغ ضده، تم استدعاؤه من النيابة العامة، ومواجهته برسائل التهديد والسّب، فأقر بقيامه بإرسالها، بسبب خلافات مع «الثاني»، واعتقاده بأنه سرقه.
في ظل استمرار حالة العداء، وعدم تسوية الخلاف، انتقلت القضية إلى مرحلة ثانية، حيث رفعت النيابة العامة لائحة اتهام بحق «الأول» إلى الهيئة القضائية في محكمة الجنايات، تتضمن 3 تهم، أولاها «تهديد المجني عليه عبر برنامج «واتساب» بعبارات خادشة بالحياء، والشرف، والاعتبار». أما التهمة الثانية فتمثلت في التهديد بالاعتداء والقتل. فيما تمثلت التهمة الثالثة في «السّب عن طريق إحدى وسائل تقنية المعلومات».. «الواتساب».
طالبت النيابة العامة بمعاقبة الصديق الأول، عملاً بالمادة 42 من المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2021، في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، والتي تنص على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ابتزّ، أو هدّد شخصاً آخر لحمله على القيام بفعل، أو الامتناع عنه، باستخدام شبكة معلوماتية، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، وتكون العقوبة السجن المؤقت مدة لا تزيد على 10 سنوات، إذا كان التهديد بارتكاب جريمة، أو بإسناد أمور خادشة للشرف، أو الاعتبار...».
نظرت المحكمة القضية، ورأت في مضمون حكمها «أن المتهم قد أقدم على تهديد المجني عليه بارتكاب جريمة، وهي قتله عند حضوره إلى الدولة»، مبينة أن «هذا التهديد قد أصاب المجني عليه بفزع ورعب شديدين، وظن أنه على شفا مورد الهلاك عند حضور المتهم، لا سيما وأنه صغير السّن، وأن هذا التهديد من شأنه أن يجعله يتصرف على غير طبيعته، ومن دون هدى، سواء أكان المتهم جاداً، أم هازلاً في تهديده».
وأضافت المحكمة «إن ألفاظ السباب التي ذكرها المتهم للمجني عليه تعد ألفاظاً خادشة، وماسّة مساساً كبيراً بالشرف والاعتبار، ومن شأنها أن تحطّ من قدر من وُجهت إليه أمام نفسه، وأمام الغير، وفي مجتمعه، لذلك فإن المجني عليه مُحق في شكايته، وتكون المحكمة على صواب عند إدانة المتهم».
ورأت المحكمة أخذ المتهم بقسط من الرأفة والرحمة في ظل ظروف الدعوى، وعدم تطبيق العقوبة المُشدّدة، قانوناً، في هذا النوع من الجرائم الإلكترونية، واكتفت بمعاقبته بالحبس لمدة 3 أشهر عن التهم الثلاث، وأمرت بإبعاده عن الدولة.
تحوّلت القضية بعد نظرها من المحكمة الابتدائية، إلى محكمة الاستئناف التي راعت أيضاً ظروف «الصديق الصغير في السّن»، وقررت أيضاً أخذه بمزيد من الرأفة والرحمة، وقضت بتعديل حكم «حبسه وإبعاد» إلى غرامة 7 آلاف درهم فقط.