27 يناير 2025

د. عبد السلام البلوشي: أسعى لتغيير حياة المرضى ووضع الإمارات على خريطة التميز الطبي

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

شغفه بالطب قاده إلى دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، ليبرز كنموذج ناجح في مجال جراحة الأعصاب، بإجرائه أكثر من 5000 عملية جراحية في العمود الفقري، واعتماد تقنية الجراحة الروبوتية للعمود الفقري، لأول مرة، في الشرق الأوسط وإفريقيا، ليضع الإمارات على خريطة الدول الرائدة في هذا المجال...

هو الدكتور وجراح الأعصاب عبد السلام البلوشي، الذي في حوارنا معه اقتربنا أكثر للتعرف إلى مسيرته، وأهمّ الإنجازات العلمية والطبية التي تمكّن من تحقيقها، وصولاً إلى رؤيته لتعزيز الابتكار الطبي في دولة الإمارات، وتحويلها إلى مركز عالمي للسياحة العلاجية:

مجلة كل الأسرة

بداية، منذ 16 عاماً انتقلت من الإمارات إلى الولايات المتحدة لدراسة الطب والتخصّص في مجال جراحة الأعصاب، كيف أثّرت هذه التجربة في مسيرتك المهنية؟

كان قرار الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية محوريّاً، حدّد بشكل عميق مسيرتي المهنية في دراسة الأعصاب، لشهرتها بجودة الرعاية الصحية الاستثنائية، والتكنولوجيا المتطورة في مجال الطب، وكنت مصمّماً وقتها على أن أكون من بين أوائل الإماراتيين الذين يحصلون على شهادة الطب من هناك، على الرغم من صعوبات الالتحاق بكلية الطب لخريجي الثانوية العامة، على العكس الكثير من البلدان، وتشكيك الكثير من الزملاء من المملكة العربية السعودية والكويت، وحتى الأمريكيين، في حصولي على فرصة، حتى تمكنت، وبعد الجدّ والمثابرة، من الالتحاق بكلية الطب الأمريكية.

وعلى الرغم من صعوبة الدراسة، حرصت على الالتزام بالتفوّق الأكاديمي، وحصلت على عضوية الجمعيات الشرفية في كل من الدراسات الجامعية، وكلية الطب، وكان التخرج بامتياز، وانضمامي إلى Alpha Omega Alpha، الجمعية الشرفية الطبية الوحيدة المرموقة، من العلامات البارزة التي أكدت تفانيّي، ومهّد لتحقيق النسبة المئوية 99 في امتحانات المجلس، ونشر مقالات تمت مراجعتها من قبل الأقران مهّد الطريق لتأمين منصب مرغوب فيه في تدريب جراحة الأعصاب المعروف بالأكثر طولاً وتحدّياً، ما يمكن أن أقول عنه الإنجاز الأكبر الذي أثبت نجاحي، وقدرة الإماراتيين على التفوق، وتمثيل بلدهم بأفضل صورة.

برفقة فريق العمل في المستشفى
برفقة فريق العمل في المستشفى

أجريت أكثر من 5000 عملية جراحية في مجال العمود الفقري، كيف تمكنت من تحقيق نجاح مستمر في هذا المجال؟

لقد أحدث تطبيق تقنية الجراحة الروبوتية تحوّلاً كبيراً في مجال الرعاية الصحية في الشرق الأوسط وإفريقيا، في جراحة الأعصاب، جعلت من هذا النوع من العمليات الجراحية أكثر أماناً ودقة، وأقل تدخّلاً، تسرّع تعافي المرضى، وتقلّل النزف، ومعدلات المضاعفات والعدوى، إضافة تقليل فترة إقامة المرضى في المستشفى وعودتهم إلى حياتهم الطبيعية بسرعة أكبر، وبذلك تكون قد حققت قفزة كبيرة إلى الأمام في تقديم الرعاية المتطورة، وتحسين النتائج الإجمالية للمرضى. وكان من دواعي فخري أن أكون أول من أجرى جراحة العمود الفقري باستخدام الروبوت في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بأكملها، وأن أمثل بلدي الإمارات أفضل تمثيل، واترك إرثاً في كتب التاريخ بكونها واحدة من الدول الرائدة التي استخدمت أحدث التقنيات في مجال جراحة الأعصاب.

ما الإنجاز الذي تعتبره الأكثر تأثيراً في مسيرتك المهنية؟ وما هو مصدر إلهامك؟

أمتلك براءة اختراع أمريكية لنظام واجهة دماغية-حاسوبية، مدعوم بهيكل خارجي، يهدف إلى مساعدة مرضى إصابات الحبل الشوكي على استعادة القدرة على المشي. كما أمتلك براءات اختراع أخرى، منها غرسة طبية مبتكرة تُستخدم لعلاج خلل المفصل العجزي الحرقفي، باستخدام تقنية طفيفة التوغل، ما يسهم في تثبيت المفصل فوراً، ويؤدي إلى تخفيف كامل للألم.

وبصفتي كبير مسؤولي الابتكار الصحي في أكاديمية STEM الرائدة في الولايات المتحدة، أستمد الإلهام من الطلاب المبدعين في المرحلة الثانوية الذين يطوّرون اختراعات استثنائية، العديد منها يتم تبنّيها من قبل القوات المسلحة الأمريكية، وشركات كبرى، لمساعدتهم في الحصول على فرص للقبول في جامعات مرموقة، مثل هارفارد، وبرينستون، وستانفورد. أطمح إلى إنشاء فرع لهذه الأكاديمية في الإمارات العربية المتحدة، لإتاحة الفرصة للشباب الإماراتي والمقيمين لتطوير مهاراتهم الإبداعية، والابتكارية، وتحويل مجتمعنا من مجتمع مستهلك إلى منتج، من خلال الابتكار والاختراع، وتعزيز مساهمتهم في التقدم العلمي.

مجلة كل الأسرة

كيف يمكن لدولة الإمارات الاستفادة من هذه الابتكارات لتعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار؟

بصفتي مواطناً إماراتياً، أرى أهمية كبيرة في إطلاق هذا الابتكارات من دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تسهم قيادتنا الرشيدة، وبشكل مستمر، في دعم الجهود لتحقيق التفوق على الساحة العالمية في مجالات الابتكار، والتكنولوجيا، وريادة الأعمال، ووضع الأسس لتحويل الإمارات إلى مركز عالمي مستقبلي شبيه بوادي السيليكون. وكطبيب، من جانبي أعمل على تعزيز التعاون مع الشركات الرائدة في مجالات التكنولوجيا والرعاية الصحية في الولايات المتحدة، بهدف إنشاء خطوط إنتاج داخل الدولة، وتقليل الاعتماد على الدول الغربية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في تلبية احتياجاتنا التكنولوجية.

 من وجهة نظرك، ما هي العوامل التي تجعل الإمارات مؤهلة لأن تصبح مركزاً عالمياً للسياحة العلاجية؟

في عالم مترابط حيث تتوفر خيارات السفر بسهولة، يلعب الابتكار في التكنولوجيا الطبية دوراً حاسماً في جذب المرضى إلى وجهات معيّنة للحصول على الرعاية، ورؤيتي تؤكد أن النجاح في مجال السياحة الطبية يتطلب تقديم أحدث المعدات والعلاجات المتطورة، إلى جانب ضمان وجود كوادر طبية مدرّبة تدريباً عالياً. علاوة على ذلك، تُعد العوامل الأخرى مثل الموقع الجغرافي الملائم، والسجل القوي في مجال السلامة، وتوفر أنشطة ترفيهية ذات جودة عالية، عوامل أساسية عند اختيار المرضى لوجهة العلاج، جميع هذه المقومات، إلى جانب تحسين مستوى الرعاية الصحية، والاستمرار في تطوير التقنيات الطبية والابتكارات، تجعلها مؤهلة لأن تكون مركزاً عالمياً رائداً في السياحة الطبية، وتعزيز مكانتها كوجهة مفضلة للمرضى الباحثين عن تجارب علاجية مميزة.

تكريمه من قبل صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان
تكريمه من قبل صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان

ما النصيحة التي تقدمها للشباب الإماراتيين الطامحين إلى دخول مجالات الجراحة والابتكار الطبي، خصوصاً في التخصصات التي تتطلب سنوات طويلة من التدريب والعمل المكثف؟

على الشاب الإماراتي الراغب في دخول مجالات الجراحة والابتكار الطبي تبنّي المثابرة، وعقلية التطوّر المستمر، فهذه التخصصات تتطلب سنوات من التدريب المكثف، لكنها توفر فرصاً هائلة للتعلم والنمو. التعلم، ومتابعة أحدث التطورات في المجال الطبي، والبحث واستقاء المعلومات من أشخاص مهنيين وذوي خبرة، والانخراط في البحث والابتكار.. جميعها عوامل تسهم في تطوير معارفهم، وتساعدهم على دفع عجلة التقدم في التكنولوجيا الطبية. عليهم التذكر دائماً أن المرونة هي مفتاح النجاح، وأنهم سيواجهون تحدّيات كثيرة، لكن شغفهم وقدرتهم على تجاوزها ستقودهم إلى تحقيق أهدافهم، وألا ينسوا أهمية التعاون، فالطب يعتمد على العمل الجماعي، والعمل مع الزملاء والمختصين من مجالات مختلفة يوسع مداركهم، ويطوّر مهاراتهم. على الصعيد الشخصي، أنا مستعد لتقديم الدعم والإرشاد لأي شاب إماراتي يسعى للتعليم، أو التدريب في الولايات المتحدة الأمريكية.

ما هي طموحاتك المستقبلية؟ وكيف تسعى لتحقيق تأثير أكبر في تحسين حياة المرضى والارتقاء بقطاع الرعاية الصحية في دولة الإمارات؟

أتطلع إلى مستقبل تُدمج فيه التقنيات الطبية المتقدمة مع الرعاية الشاملة، لتقديم حلول مبتكرة تحدث نقلة نوعية في حياة المرضى، في دولة الإمارات العربية المتحدة. ورؤيتي تتمثل في إنشاء مركز عالمي المستوى، يجمع بين البحث العلمي المتقدم، والهندسة الحيوية، والذكاء الاصطناعي، لتعزيز مكانة الإمارات كقائدة في الابتكار الطبي، ووجهة بارزة للسياحة العلاجية. أسعى إلى تحقيق هذا الهدف من خلال تطوير تقنيات جراحية متقدمة، وتعزيز ثقافة التعاون بين المتخصصين في الرعاية الصحية، ودعم الجيل القادم من الأطباء والمبتكرين الإماراتيين عبر الإرشاد، ومشاركة الخبرات، بما يضمن توفير رعاية متكاملة تعالج احتياجات المرضى، الجسدية والعاطفية، ويضع الإمارات في طليعة الدول الرائدة في قطاع الرعاية الصحية، لتكون نموذجاً يحتذى على الصعيدين، الإقليمي والعالمي.

مجلة كل الأسرة

ماذا يحدثنا د. البلوشي عن حياته الخاصة، وما هو دور العائلة؟

على الرغم من الاهتمام الكبير الذي تحظى به حياتي المهنية، فإن حياتي الشخصية تشكل جزءاً أساسياً من توازني. أقدّر الوقت الذي أقضيه مع العائلة والأصدقاء، فهم يشكلون مصدر الدعم الذي احتاج إليه، كما أستمتع بأنشطة تعزز رفاهيتي، مثل القراءة، ممارسة الرياضة، والسفر لاكتشاف ثقافات جديدة.

أطمح إلى ترك أثر إيجابي يدوم بعد رحيلي، وأسهم في تطوير الرعاية الصحية والابتكار بشكل يلهم الأجيال القادمة، لملاحقة أحلامهم، وتحقيق تأثير دائم في هذا المجال.

ما هو طموح د. البلوشي؟ وما هي تطلعاته في تأسيس مركز متخصص يدمج الهندسة الحيوية والذكاء الاصطناعي والابتكار في الإمارات، وكيف ترصد دوره في توفير رعاية عالية للمرضى في المنطقة؟

تستند طموحاتي إلى إنشاء مركز متخصص في الإمارات يدمج الهندسة الحيوية، الذكاء الاصطناعي، والابتكار، إلى خبراتي في أكاديمية العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وعملي في مجال الرعاية الجراحية العصبية المتقدمة في الولايات المتحدة، يهدف وضع الإمارات في مقدمة الدول بمجالات الرعاية الصحية، البحث العلمي، والابتكار. ومن خلال دعم الشركات الناشئة وتعزيز التقنيات الرائدة، يمكننا تعزيز مكانة الإمارات كقائدة في التميّز الطبي، وهذه المبادرة لا تسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية للمرضى في المنطقة فقط، بل تجذب أيضاً المرضى من أوروبا والولايات المتحدة، ما يعزّز مكانة الإمارات كوجهة عالمية للسياحة العلاجية.