28 يناير 2025

مع فيلم Juror #2.. كلينت ايستوود يقدم الأفضل في خريف شبابه

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

في الرابعة والتسعين من عمره يبرهن كلينت ايستوود على أنه ما زال شاباً في مستوى إبداعاته، وأستاذاً في تنفيذه.

يؤسس ايستوود (94 سنة) في فيلمه الجديد (وربما الأخير) «المحلّف رقم 2» Juror #2 ، حكاية بوليسية ممتازة، ثم يمعن في إضافة تعقيدات على الحبكة تتناول موقف جوستن المصيري، وموقف باقي المحلّفين حياله، ثم موقف المدعية العامّة، فايث (توني كولِت) التي لا يخالجها أيّ شك في أن جيمس هو القاتل. في بالها أيضاً أن فوزها في هذه القضية سيساعدها على الارتقاء إلى منصب أعلى.

إنه فيلم محاكمات، وليس فيلم محاكمة واحدة. هناك تلك الماثلة أمام القضاء، وهناك تلك التي يكتشف فيها بطل الفيلم أنه قد يكون القاتل، وليس المتهم، ثم هناك المحاكمة التي يشيدها ايستوود للشخصيات، وأصحاب السلطات.

مجلة كل الأسرة

أفلام كلينت ايتسوود.. وإدانات سابقة

كعادته، يلقي ايستوود نظرة فاحصة وناقدة على كل ما يرد في أفلامه. على بطله الذي تشبّع بالقتل خلال الحرب العراقية، في «قنّاص أمريكي» (American Sniper)، ومن خلاله حاكم الحرب، ومسؤولية من أرسله إلى هناك.

في «بيرد» (Bird)، قدّم سيرة حياة عازف الجاز تشارلي بيرد بايكر الذي سقط مدمناً على المخدّرات، ومن خلاله الطقوس التي تحيط بأجوائه، والمسؤولة عن مصيره.

نراه في «ج. إدغار»( J.Edgar) يعرض لحياة ج. إدغار هوفر، واحد من أقوى الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة خلال القرن العشرين، لكنه يمضي ليحاكمه باحثاً في استخدامه سُلطته لهدم الآخرين. وعندما تناول جزءاً من سيرة حياة المخرج جون هيوستن، ذلك الجزء الذي أمضاه في أفريقيا ببندقية اصطاد بها الفيلة، انتقد هذا المنوال، ودوافعه، وتبعاته.

أما في «سُلطة مطلقة» (Absolute Power) فخيّر المشاهد ما بين الحكم على لص منازل، أو الحكم على رئيس الجمهورية الذي شاهده اللص وهو يقتل عشيقته.

في الواقع كل أفلام ايستوود مخرجاً (من منتصف السبعينيات وما بعد)، كانت سلسلة من محاكماته للمجتمع، للسُلطة، للقانون، للسياسة، للإعلام وللمصالح التي تربطها مع بعضها بعضاً، ثم الفرد الواقع ضحية كل ذلك التآلف.

مجلة كل الأسرة

في «محلّف رقم 2» يعمّق منظوره النقدي من دون أن يشعر المُشاهد بأي ثقل، أو عناء. وبالنسبة إلى ايستوود، هو أستاذ في كيفية طرح الأفكار العميقة، والحبكات المستعصية بأسلوب سهل، تستطيع أن تشاهده كعمل تشويقي، أو تذهب به لما بعد، متجاوزاً حبكته الظاهرة إلى تلك البعيدة.

قصّة رجل دهس ذات مرّة، وفي ليلة داكنة وماطرة، شيئاً لم يتبيّنه. بعد فترة تم اختياره ليكون عضو لجنة المحلفين في قضية رجل متهم بأنه دهس امرأة ذات الليلة وعلى الطريق نفسه. يدرك إن المتهم بريء وإنه هو المجرم.

مجلة كل الأسرة

وضع خطر

سيحاول بعثرة قناعات المحلّفين الآخرين بأن المتهم هو مذنب بالفعل، عن طريق طرح نظريات، (وليس براهين)، لإثارة الرِّيب في قناعاتهم. جوستن واثق من أن جيمس (غبريال باسو) لم يقتل المرأة التي تشاجر معها، والمتهم بقتلها، لكنه لا يملك دليلاً، ولا يستطيع الاعتراف خشية العاقبة.

المواقف في هذا الفيلم متعدّدة. جوستِن يضع عدداً من رفاقه المحلّفين في شكوك، ويُثير غرابة عدد آخر. أحدهم يخبره أنه يقرأه ككتاب مفتوح مملوء بالنظريات، لكن من دون براهين. يسأله لماذا؟ جوستين لا يستطيع الإجابة عن هذا السؤال.

بدوره لم يدرك في ذلك الظلام، في تلك الليلة الممطرة، فوق ذلك الطريق خارج المدينة، ما صدم. ظن أنه صدم غزالاً عابراً. نزل من السيارة ونظر حوله، فلم يجد شيئاً ركب سيارته، وانطلق مجدداً.

لكنه الآن يدرك أنه صدم تلك المرأة التي يُحاكم صديقها على جريمة لم يرتكبها. لذا يسعى لإصدار قرار محلّفين ببراءته.

يفنّذ ايستوود المواقف المختلفة، وينتقد النائب العام المتمثل في امرأة تريد إثبات التهمة، واستخدام نجاحها للوصول إلى منصب أعلى. لكن نقده يشمل معظم الشخصيات، ولو أننا لا نسمع صراخاً في المحكمة، ولا خارجها، ولا يهتم ايستوود بالخطابة والمواعظ. كل شيء واضح أكثر، إذا ما تمّت قراءته بين اللقطات.

اقرأ أيضاً: أفضل 10 أفلام بوليسيّة للممثّل والمخرج النجم كلينت ايستوود