ليست فكرة التحكم في أسراب الحشرات حديثة العهد. ففي القرن العشرين، عمل الباحثون على فكرة استخدام الحشرات في مهمات حربية، خصوصاً في سياق الحرب الباردة، حيث كانت الحشرات وسيلة للتجسس، أو ناقلات لعوامل بيولوجية. وفي الآونة الأخيرة، أدى ظهور التقنيات الروبوتية والبيولوجية إلى ولوج عصر جديد، هو عصر الحشرات الآلية.
وحالياً، يعمل باحثون، من جامعات يابانية وسنغافورية، على تطوير خوارزميات تساعد على تتبّع حركة أسراب الحشرات. ويرتكز مفهوم الأبحاث على تثبيت أجهزة إلكترونية مباشرة في أجسام حشرات حيّة، وبالتحديد على ظهورها، حيث توضع مستشعرات إلكترونية مزودة بكاميرات ضوئية، وأخرى تعمل بالأشعة تحت الحمراء، إلى جانب بطاريات متناهية الصغر، وهوائي يسمح بالتحكم في حركات الحشرات عن بعد. وتتفاعل هذه «الحقيبة الظهرية» مع الجهاز العصبي للحشرة، متيحة توجيه حركتها بدقة كبيرة.
البحث عن ضحايا الكوارث
تهدف هذه التقنية في المقام الأول إلى المساعدة في عمليات البحث في المناطق المنكوبة التي يصعب الوصول إليها عن ضحايا الكوارث، ومن ثم العمل على إنقاذهم.
وكي تتم عمليات البحث، لا بدّ أن يكون هناك استكشاف لمناطق واسعة، وبكفاءة عالية، خصوصاً بين أنقاض الزلازل، وغيرها من المناطق التي تصبح مملوءة بالعقبات والحواجز الصخرية، وغيرها. ولتوضيح هذه التقنية، يقول البروفيسور «هيروتاكا ساتو»، الأستاذ في كلية الهندسة الميكانيكية والفضائية، بجامعة نانيانغ للتكنولوجيا، والمؤلف المشارك في دراسة نشرت في 6 يناير في مجلة «Nature Communications»، «يرتكز المفهوم على نشر أسراب كثيرة من الحشرات الآلية التي تتنقل في المناطق الوعرة التي يصعب الوصول إليها عادة، حيث تبحث عن ناجين، أو مفقودين، لا تستطيع الوسائل المتبعة حتى الآن الوصول إليهم».
ويضيف «في مثل هذه الظروف، يكون الناجون، في أغلب الأحيان، موزعين في عدة أماكن، ولا يتسع الوقت للبحث عنهم لأكثر من 72 ساعة. لذا يمكن لللاقطات المثبتة على الحشرات أن تحدّد الأهداف المراد الوصول إليها تماماً، كما يفعل البشر، ومن ثم نقل المعلومات بسرعة كبيرة إلى نظام التحكم».
نظام أسراب حشرات وظيفية
ليست هذه محاولة «ساتو» الأولى في هذا المجال، ففي عام 2008 كان أول من أظهر قدرة على التحكم آلياً في حشرة. وقد سجل فريق ساتو، وباحثون آخرون من جامعات يابانية، في دراسة حديثة، تطوراً ملحوظاً في التحكم بأسراب الحشرات الآلية، وتظهر نتائج هذه الدراسة أن الخوارزميات الجديدة المتعلقة بأسراب الحشرات لها العديد من المزايا الكبيرة، مقارنة بالدراسات السابقة التي كانت تركز على التحكم في حشرات فردية، أوفي تجمعات معقدة لها. وعلى الرغم من نجاح تتبع تلك الحشرات، لم تكن تلك الأساليب مناسبة للتنسيق الفعال في ما يتعلق بالأسراب الكبيرة.
الحشرة «القائدة»
ويعتمد النهج الجديد على نموذج «القائد»، بحيث يتم تعيين حشرة قائدة بواسطة الخوارزمية، وتوجيهها إلى المكان المقصود. وتعمل «حقيبة الظهر» على تنسيق تحركات حشرات السرب الأخريات، الأمر الذي يتيح الطيران الجماعي وفق ديناميكية تكيفية، تتغلب فيها الحشرات على العوائق، وتتمكن من تحرير العضوات المحاصرات، وتتجنب الطرق المغلقة. وبالتالي، يصبح السرب أكثر كفاءة ومرونة، في البيئات المعقدة.
أما الخطوة التالية التي يخطط لها الباحثون، فتتمثل في إجراء تجارب خارجية، خصوصاً بين أكوام الأنقاض التي تكون عادة في مناطق الكوارث، للتحقق ممّا إذا كانت الخوارزمية فعّالة وملموسة، في الأماكن الأكثر تعقيداً.