من الموضوعات التي تجاهلتها السينما عموماً، والسينما الهوليوودية خصوصاً، دور المرأة في المجتمعات، من حيث المشاركة في بناء تلك المجتمعات، وتقدّمها، والمتاعب التي تحمّلتها في سبيل ذلك.. ومن بينها هذا الفيلم الرائع Woman Walks Ahead، المقتبس من قصة حقيقية، وهو من إخراج سوزانا وايت (2018)
هناك موقعتان عسكريتان يضع فيلم «المرأة تقود» نفسه بينهما. موقعة ليتل بيغ هورن سنة 1876، وموقعة «ووندد ني» (Wounded Knee)، بعد أكثر من عشر سنوات بقليل على الموقعة الأولى. لا نرى أياً من هاتين الموقعتين، ففيلم سوزانا وايت يعفي نفسه، وجمهوره من عمل حربي شبيه بتلك التي تولت هوليوود تحقيقها، منذ مطلع القرن الماضي، ومن بينها أفلام عن هاتين الموقعتين. لكن الاختلاف بينهما، أن في المعركة الأولى كانت الهزيمة من نصيب الجنرال جورج كَستر، وجيشه الذي جمعه لقتال هنود السيوكس والشايين. كستر نفسه قُتل، وتمت إبادة كل جنوده. أما في الثانية، فكانت انتقاماً من الهزيمة المذكورة، أمر بها الجيش الأمريكي ضد بضع مئات من أبناء قبيلة لوكوتا سيوكس، الذين فرّوا من المواجهة تجنباً للقتال.
عوض كل ذلك، تسرد المخرجة حكاية لها صلة وثيقة بتلك الفترة، بطلتها امرأة عاشت فعلاً في تلك الفترة، اسمها كاثرين وولدُن. هي فنانة من نيويورك (ما زال بالإمكان مشاهدة بعض لوحاتها في متاحف أمريكية)، تركت المدينة وقصدت براري ولاية داكوتا لرسم الزعيم الهندي «ستينغ بُل» (Sitting Bull)، الذي كان أحد الزعماء الذين شاركوا في موقعة ليتل بيغ هورن. تصل كاثلين بالقطار، وتجد عزوفاً من قبل الحامية الأمريكية في المكان. الضابط سيلاس (سام روكوَل) يريدها أن تغادر المكان على الفور. لكنها لا تنصاع، وتجد طريقها إلى حيث يعيش ستينغ بُل، وتقنعه بأن ترسمه (رسمت له أربع لوحات). في المقابل أقنعها بأن تمنحه 1000 دولار لكي ترسمه.
الفترة التي قضتها كاثرين في تلك البراري هي الفترة التي ازدادت فيها قناعة بأن عليها أن تنشط في سبيل الدفاع عن حقوق المواطنين الأصليين لأمريكا، خصوصاً عندما جاءت القيادة العسكرية بقرار الاستيلاء على نصف ما تبقى من أراضي القبيلة. في سبيل ذلك، أوقفت نصف إمدادات المؤونة لكي تجبر الهنود على قبول القرار. لكن الطريقة التي اتبعها الجنرال كوك لذلك، هي منح الهنود حق التصويت ديمقراطياً، ثم اعتبار ذلك التصويت بمثابة رفض ما يجيز الاستيلاء على الأراضي بالقوّة.
تؤدي جسيكا شستين دور الرسامة بالانفعالات المطلوبة. فهناك المشاهد التي تكتنزها شخصية الفنان حين يعاين المكان ويترك لريشته التعبير عن حبه له، من ناحية. من ناحية أخرى، الانفعال العاطفي نتيجة ما تشهده. ولا يغيب عن الفيلم تصوير وضعها الخاص كامرأة، تدرك أن معاملة البيض لها تكتنز قدراً كبيراً من التحيّز ضدها، لأنها أنثى.